لَهُ، اسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ، فَقَالَ: أَمَّا مَنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ فَهُوَ مُبْتَلًى خَائِفٌ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ فَهُوَ مُعَافًي.
فَأَتَى عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الْوَلِيدَ فَقَالَ: يَا عَمُّ، قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي إِلَى عَشِيرَتِكَ، فَتَتَبَرَّأَ مِنْ ذِمَّتِي بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: لَعَلَّ أَحَدًا آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ، فَلَمَّا أَبَى عُثْمَانُ أَخْرَجَهُ الْوَلِيدُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ أَحْفَلُ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ يُنْشِدُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْهُ مِنْ جِوَارِهِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي مِنْهُ بَرِئٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ.
قَالَ: صَدَقَ، أَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مِنِّي بَرِئٌ، ثُمَّ جَلَسْنَا وَلَبِيدُ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
فَقَالَ عُثْمَانُ: كَذِبْتَ، فَأَمْسَكَتِ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ، ثُمَّ عَادَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مِثْلَ كَلِمَتِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا ذَكَرَ أَنّ كُلَّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ، كَذَّبَهُ لِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، فَلَطَمَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَاخْضَرَّتْ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: كُنْتَ عَنِ الَّذِي لَقِيَتْ عَيْنُكَ غَنِيًّا، فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ كُنْتُ إِلَى الَّذِي لَقِيَتْ عَيْنِي فَقِيرًا، وَلِي فِيمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةٌ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ ثَانِيًا، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute