للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَدَخَلَ الْحَسَنُ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْهَيْثَمِ التَّمِيمِيِّ , يَعُودُهُ فَجَعَلَ يُقَلِّبُ عَيْنَيْهِ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ , فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: إِنِّي أَرَاكَ تُقْلِّبُ عَيْنَيْكَ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي مِائَةِ أَلْفٍ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ لَمْ تُؤَدِّ مِنْهَا زَكَاةٌ وَلَمْ يُوصَلْ مِنْهَا رَحِمٌ؟ قَالَ: وَلِمَ ذَاكَ لِلَّهِ أَبُوكَ؟ قَالَ: لِرَوْعَةِ الزَّمَانِ وَجَفْوَةِ السُّلْطَانِ وَمُكَانَزَةِ الْعَشِيرَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَى الْحَسَنَ إِلَى جِنَازَتِهِ فَحَضَرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ تَبِعَهُ إِلَى قَبْرِهِ فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ أَنَّى أَتَاهُ شَيْطَانُهُ يُحَذِّرُهُ رَوْعَةَ زَمَانِهِ وَجَفْوَةَ سُلْطَانِهِ عَمَّا اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَاسْتَرْعَاهُ فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ سَلِيبًا حَزِينًا ذَمِيمًا، فَيَا هَذَا الْوَارِثُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ قَدْ آتَاكَ اللَّهُ حَلَالًا.

فَلَا يَكُونَنَّ عَلَيْكَ وَبَالًا، آتَاكَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ جَمُوعًا مَنُوعًا مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ وَعَنْ حَقٍّ مَنَعَهُ، رَكِبَ بِهِ لُجَجَ الْبِحَارِ وَمَفَاوِزَ الْقِفَارِ، جَمَعَهُ فَأَوْعَاهُ وَشَدَّهُ فَأَوْكَاهُ، أَلَا إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَبَخِلَ بِهِ عَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ فِيهِ، فَوَرِثَهُ بَعْدَهُ وَارِثٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى كَسْبِهِ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، فَيَالَهَا مِنْ تَوْبَةٍ لَا تُنَالُ وَعَثْرَةٍ لَا تُقَالُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: لَوْ عَلِمَ الْعَابِدُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآخِرَةِ لَذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا.

وَقَالَ الْحَسَنُ: ذَهَبَتِ الْمَعَارِفُ وَبَقِيَتِ الْمَنَاكِرُ، وَمَنْ يَعِشْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مَغْمُومٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>