شَاءَ اللَّهُ، فَنَظَرُوا إِلَى سَعِيدٍ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَشَعِثَ رَأْسُهُ، وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ لَقُوهُ، فَقَالُوا: كَيْفَ ابْتُلِينَا بِكَ؟ أُعْذُرْنَا عِنْدَ خَالِقنَا يَوْمَ الْحَشْرِ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءَهُ، فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ، جَاءَهُمْ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ وَآخَرُ مَعَهُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَتَيْتُمُونِي بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
وَعَايَنَّا مِنْهُ الْعَجَبَ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُمْ وَقَالَ: أَدْخِلُوهُ عَلَيَّ فَأُدخِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
قَالَ: أَنْتَ شَقِيُّ بْنُ كَسِيرٍ.
قَالَ: بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ.
قَالَ: شَقِيتَ أَنْتَ وَشَقِيَتْ أُمُّكَ.
قَالَ: الْغَيْبُ يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ.
قَالَ: لَأُبَدِّلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَارًا تَلَظَّى، ثُمَّ قَالَ الْحَجَّاجُ: اخْتَرْ يَا سَعِيدُ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَكَ، قَالَ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ، فَوَاللَّهِ مَا تَقْتُلُنِي قَتْلَةً إِلَّا قُتِلْتَ مِثْلَهَا فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْتُلُوهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَابِ ضَحِكَ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ الْحَجَّاجُ فَأَمَرَ بِرَدِّهِ فَقَالَ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللَّهِ وَحِلْمِ اللَّهِ عَنْكَ، فَأَمَرَ بِالنَّطْعِ فَبُسِطَ فَقَالَ: اقْتُلُوهُ، فَقَالَ سَعِيدٌ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٧٩] .
قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute