للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ اتِّبَاعُهُمْ وَاجِبٌ فَإِنْ أَطَاعَ بِظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ فَإِنَّهُ عَاصٍ وَلَيْسَ بِمُطِيعٍ (وَ) كَذَلِكَ (الِاسْتِغْفَارُ) أَيْ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ (لَهُمْ) وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] وَلِأَنَّهُمْ

ــ

[حاشية العدوي]

خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. فَإِنْ قُلْت: مَا نُكْتَتُهُ؟ قُلْت: نُكْتَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُهُمْ أَيْضًا فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ النَّاشِئِ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ، فَذَهَبَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ إلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ لِلصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَلَا نِزَاعَ فِي تَقْلِيدِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْ إذَا عَرَفَ تَفْصِيلَ مَذْهَبِهِمْ كَتَقْلِيدِهِ بَقِيَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» .

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَوْ فِعْلُهُمْ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِهِمْ فِيهِ لِلْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَا تَأَوَّلَهُ التَّابِعُونَ وَاسْتَنْبَطُوهُ لِلْمُجْتَهِدِ فَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مِمَّا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَلَقَّوْهُ عَنْ الصَّحَابَةِ لَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ اجْتِهَادٍ وَاسْتِنْبَاطٍ مِنْهُمْ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي عج. [قَوْلُهُ: وَفِيمَا تَأَوَّلُوهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّأْوِيلَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَعَطْفُ الِاسْتِنْبَاطِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ اسْتِخْرَاجُ الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِكَوْنِهِ مُتَأَوَّلًا هُوَ اللَّفْظُ وَلَيْسَ الِاتِّبَاعُ فِيهِ بَلْ الِاتِّبَاعُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ، فَنَخْرُجُ مِنْ وَرْطَةِ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ وَالتَّقْدِيرُ وَفِي مَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي تَأَوَّلُوهُ أَيْ صَرَفُوهُ عَنْ ظَاهِرِهِ، أَيْ الْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِذَلِكَ الصَّرْفِ. [قَوْلُهُ: عَنْ اجْتِهَادِهِمْ] الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي تَحْصِيلِ الْحُكْمِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ حَالَةَ كَوْنِ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلُوهُ وَاسْتَنْبَطُوهُ نَاشِئًا عَنْ اجْتِهَادِهِمْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ مُؤَكَّدَةٌ.

[قَوْلُهُ: أَيْ اتِّبَاعُهُمْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاقْتِفَاءِ الِاتِّبَاعُ، وَأَنَّ إسْنَادَ الِاقْتِفَاءِ إلَى الْآثَارِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَحَقِيقَتُهُ إسْنَادُهُ لَهُمْ لَا لِآثَارِهِمْ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ: وَاقْتِفَاءٌ إلَخْ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لَهُ، وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ فَرَّقَ بِأَنَّ الِاتِّبَاعَ يَصْدُقُ وَلَوْ بِبَعْضِ الْوُجُوهِ، وَالِاقْتِفَاءُ الِاتِّبَاعُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ] لَمْ يَقُلْ وَكَذَلِكَ اقْتِفَاءُ إلَخْ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا يَأْتِي لِلتَّفَنُّنِ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ] يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: لَهُمْ] أَيْ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ لَكِنْ لَا بِقَيْدِ الصَّحَابَةِ بَلْ الْأَعَمُّ أَيْ مَنْ سَلَفَنَا بِالْإِيمَانِ مُطْلَقًا فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَعْمَلَ أَوَّلًا السَّلَفَ الصَّالِحَ فِي مَعْنًى وَهُوَ الصَّحَابَةُ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى آخَرَ أَفَادَهُ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ -[قَوْلُهُ: وَاجِبٌ] تَصْرِيحٌ بِمَضْمُونِ قَوْلِهِ كَذَلِكَ قَالَ عج، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَهَلْ لَا بُدَّ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ مِنْ النِّيَّةِ أَوْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ؟ وَقَدْ ذَكَرَ السَّنُوسِيُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ الشَّهَادَتَيْنِ إلَّا مَعَ فِعْلِهِمَا بِالنِّيَّةِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ يَنْوِي بِذَكَرِهِمَا الْوُجُوبَ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ وَإِيمَانُهُ صَحِيحٌ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُفِيدُ مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَا خُصُوصَ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْإِيمَانِ اهـ. وَكَلَامُ عج هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] دَلِيلٌ لِوُجُوبِ الِاسْتِغْفَارِ، وَفِيهِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِأَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِمَنْ قَبْلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ الْوُجُوبُ، بَلْ إنَّمَا فِيهَا دُعَاءُ مَنْ بَعْدَهُمْ لَهُمْ بِأَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ.

الثَّانِي: أَنَّ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ فِي الْآيَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لِسَبْقِهِمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِمْ الْأَنْصَارَ بِقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} [الحشر: ٩] ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] فَاللَّفْظُ خَاصٌّ بِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَلِإِخْوَانِنَا] أَيْ فِي الدِّينِ.

[قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>