للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غِيلَانَ وَقَيَّدْنَا بِمَنْ يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَحَارِمِ، لِمَا صَحَّ «أَنَّ فَيْرُوزَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ فَقَالَ: اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت» .

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا فَقَالَ: (وَمَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا) زَادَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ أَبَدًا.

(وَكَذَلِكَ) مِثْلُ تَأْبِيدِ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ الْمُلَاعَنَةِ (الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ) بِمَعْنَى يَعْقِدُ عَلَيْهَا، وَهِيَ (فِي عِدَّتِهَا) مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ وَلَوْ رَجْعِيًّا (وَيَطَؤُهَا فِي عِدَّتِهَا) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ فِي الْعِدَّةِ، وَدَخَلَ بَعْدَهَا لَا تَحْرُمُ، وَالْمَشْهُورُ تَأْبِيدُ الْحُرْمَةِ، وَالْقُبْلَةُ وَنَحْوُهَا كَالْوَطْءِ بِشَرْطِ وُقُوعِ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ.

(وَلَا نِكَاحَ) جَائِزٌ لَازِمٌ (لِعَبْدٍ وَلَا لِأَمَةٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ) فَلَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى مِلْكِهِ نَقْصًا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ اسْتَرَدَّ السَّيِّدُ مَا أَخَذَتْهُ الزَّوْجَةُ مِنْ الصَّدَاقِ إلَّا رُبُعَ دِينَارٍ، فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ اتَّبَعَتْهُ بِمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ.

وَأَمَّا الْأَمَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَإِنْ وَكَّلَتْ رَجُلًا يَعْقِدُ نِكَاحَهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْعَبْدِ، إنْ

ــ

[حاشية العدوي]

صَدَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَارَقَ الْجَمِيعَ لَزِمَهُ صَدَاقَانِ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ نِصْفُ صَدَاقِهَا.

[قَوْلُهُ: حَدِيثُ غِيلَانَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، «أَنَّ غِيلَانَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ، وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ بَاقِيَهُنَّ» .

[مَنْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا]

[قَوْلُهُ: وَمَنْ لَاعَنَ] أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ زَوْجَتَهُ الْمُسْلِمَةَ، وَلَاعَنَتْهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا، وَإِنْ مَلَكَتْ أَوْ انْفَشَّ حَمْلُهَا، وَأَمَّا لِعَانُهُ دُونَ لِعَانِهَا فَلَا فَسْخَ، وَلَا تَأْبِيدَ تَحْرِيمٍ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ مِنْهُمْ، إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَ الزَّوْجَانِ إلَيْنَا رَاضِيَيْنِ بِحُكْمِنَا فَنَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ.

[قَوْلُهُ: الَّذِي يَتَزَوَّجُ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ تَأْبِيدُ تَحْرِيمِ الَّذِي إلَخْ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِ] إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَزَوُّجَ الْبَائِنِ مِنْهُ بِدُونِ الثَّلَاثِ جَائِزٌ وَالْمَبْتُوتَةِ مِنْهُ، وَإِنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ لَهَا قَبْلَ زَوْجٍ، وَإِنْ كَانَ يُفْسَخُ، وَيُحَدُّ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: مَا جَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ وَجَعَلَهُ خِلَافَ الْمَشْهُورِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ نَافِعٍ، وَقَوْلُهُ كَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هُنَا قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجْعِيًّا] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ ذَاتُ زَوْجٍ، وَإِنْ كَانَ تَزَوُّجُهَا بِغَيْرِ زَوْجِهَا حَرَامًا، وَيُفْسَخُ لَكِنْ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَى مَنْ تَزَوَّجَهَا.

[قَوْلُهُ: وَلَا نِكَاحَ لِعَبْدٍ إلَخْ] أَيْ، وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ كَمُكَاتَبٍ وَمُكَاتَبَةٍ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ] ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الرَّقِيقِ عَيْبٌ [قَوْلُهُ: فَلَوْ تَزَوَّجَ] تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَازِمٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: فَلَهُ الْخِيَارُ] وَوَارِثُ السَّيِّدِ كَهُوَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ لَكَانَ الْقَوْلُ لِمُرِيدِ الرَّدِّ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ فِي الْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ] هَذَا مَا لَمْ يَبِعْهُ فَإِنْ بَاعَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِ التَّزْوِيجِ فَلَا مَقَالَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَدَّ الْعَبْدُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ فَلَهُ فَسْخُ نِكَاحِهِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ فَلَا مَقَالَ لَهُ إنْ رُدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْبَيْعِ.

وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِ التَّزْوِيجِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ سَقَطَ بِالْعِتْقِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ [قَوْلُهُ: بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ] أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَدْخَلَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ [قَوْلُهُ: اسْتَرَدَّ السَّيِّدُ مَا أَخَذَتْهُ] إنْ كَانَتْ أَخَذَتْ الزَّائِدَ [قَوْلُهُ: إلَّا رُبُعَ دِينَارٍ] وَذَلِكَ الرُّبْعُ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَفِي حُكْمِ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ [قَوْلُهُ: اتَّبَعَتْهُ بِمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ إلَخْ] الْإِتْبَاعُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ إبْطَالِ السَّيِّدِ أَوْ السُّلْطَانِ عِنْدَ غَيْبَةِ السَّيِّدِ أَوْ دَفَعَ السَّيِّدُ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>