[١٥ - بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] (بَابٌ) فِي بَيَانِ صِفَةِ (صَلَاةِ الْخَوْفِ)
وَهِيَ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ يَحْضُرُ وَقْتُهَا وَالْمُسْلِمُونَ فِي مُقَاتَلَةِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي حِرَاسَتِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَهَا هُنَا وَذَكَرَهُ فِي بَابِ جُمَلٍ فَقَالَ: وَصَلَاةُ الْخَوْفِ وَاجِبَةٌ يَعْنِي وُجُوبَ السُّنَنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هِيَ رُخْصَةٌ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ لِصِدْقِ الرُّخْصَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ لَوْلَا الْعُذْرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: ١٠٢] وَالسُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَالْإِجْمَاعُ فَقَدْ صَلَّاهَا بَعْد مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَتُفْعَلُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَقَدْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى صِفَتِهَا فِي السَّفَرِ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: (وَصَلَاةُ الْخَوْفِ) أَيْ وَصِفَتُهَا (فِي) حَالِ (السَّفَرِ) أَنَّ الْمُسْلِمِينَ (إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ)
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]
[قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ] قَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ يُمْكِنُ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا فِعْلُ فَرْضٍ مِنْ الْخَمْسَةِ وَلَوْ جُمُعَةً مَقْسُومًا فِيهِ الْمَأْمُومُونَ قِسْمَيْنِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَمَعَ عَدَمِهِ لَانْقَسَمَ فِي قِتَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَيَدْخُلُ قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ وَكُلُّ قِتَالٍ جَائِزٍ [قَوْلُهُ: أَوْ فِي حِرَاسَتِهِمْ] أَيْ وَكَانُوا بِصَدَدِ الْقِتَالِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هِيَ رُخْصَةٌ] لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِهَا سُنَّةً وَكَوْنِهَا رُخْصَةً؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمَشْرُوعُ] أَيْ الْحُكْمُ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ إلَخْ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ لِعُذْرٍ وَهُوَ اضْطِرَارٌ. وَقَوْلُهُ: مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ أَيْ مَعَ وُجُودِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْخَبَثُ فِي الْمَيْتَةِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ نَقُولُ هُنَا وَهِيَ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ وَهُوَ الْخَوْفُ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مَعَ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ] وَادَّعَى الْمُزَنِيّ نَسْخَهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ.
[قَوْلُهُ: الْكِتَابُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْكِتَابَ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ.
[قَوْلُهُ: فَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ] مِنْهَا مَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ بِسَنَدِهِ «أَنَّ طَائِفَةً صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وِجَاهَ الْعَدُوَّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» .
[قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ الْفِعْلِيُّ [قَوْلُهُ: وَفُرَادَى] هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي صَلَاةِ الِالْتِحَامِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبًا إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِي السَّفَرِ بِدُونِ قَوْلِهِ جَمَاعَةً [قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الْخَوْفِ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ خَبَرُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ خَبَرُ صَلَاةٍ وَالتَّقْدِيرُ وَصَلَاةُ الْخَوْفِ نَقُولُ فِي شَأْنِهَا: إنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ فَالْحُكْمُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ.
[قَوْلُهُ: إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ] أَيْ اعْتَقَدُوا ضَرَرَ الْعَدُوِّ. وَقَوْلُهُ: أَوْ ظَنُّوهُمْ أَيْ ظَنُّوا ضَرَرَهُ. وَلَوْ فُسِّرَ الْخَوْفُ بِالظَّنِّ لَكَانَ أَحْسَنَ وَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ الِاعْتِقَادِ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى.