للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَأْخُذُ صَاحِبُ السُّدُسِ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثُلُثُ الْحِصَّةِ فَيَصِيرُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثًا الدَّارِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: يُقْسَمُ النِّصْفُ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ الشَّفِيعَيْنِ وَاسْتُظْهِرَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُعَلَّلَةٌ بِالضَّرَرِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الشُّرَكَاءُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ

. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ فَقَالَ: (وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حَبْسٌ إلَّا بِالْحِيَازَةِ) الْحَبْسُ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ تُعْتَصَرُ وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْتَصَرُ، وَالْآخَرُ أَنَّ الْهِبَةَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَقِيقَتِهِمَا أَنَّ الْهِبَةَ لِلْمُوَاصَلَةِ وَالْوِدَادِ وَالصَّدَقَةَ لِابْتِغَاءِ الثَّوَابِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا تَقَرَّرَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيمَا عَدَا الْحُكْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: فِي حُكْمِهِمَا وَهُوَ النَّدْبُ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: ٩٠] {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: ١٧٧] {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: ٢٧١] إلَى غَيْرِ مَا آيَةٍ وَالسُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ؛ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ ثَمَرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا

ــ

[حاشية العدوي]

النِّصْفُ فَبَاعَهُ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ فَإِنَّ لِصَاحِبَيْ الثُّمُنَيْنِ أَنْ يَأْخُذَا بِالشُّفْعَةِ نِصْفَ الْمَبِيعِ وَبَاقِيهِ لِمُشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا.

[بَاب الْهِبَة وَالصَّدَقَة]

[قَوْلُهُ: وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ] أَفْهَمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ تَصِحُّ وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهَا وَيُقْضَى عَلَى الْفَاعِلِ بِدَفْعِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهَا وَحِيَازَتُهَا كَالرَّهْنِ فِي مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا يَكْفِي الْإِشْهَادُ.

[قَوْلُهُ: الْهِبَةُ تُعْتَصَرُ إلَخْ] أَيْ إنَّ الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِابْنِهِ هِبَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهَا.

وَأَمَّا إذَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهُ. [قَوْلُهُ: إنَّ الْهِبَةَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَخْ] يَعْنِي: أَنَّ عَوْدَ الْهِبَةِ إلَى مِلْكِ وَاهِبِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جَائِزٌ.

وَأَمَّا عَوْدُ الصَّدَقَةِ إلَى مِلْكِ مَنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرَ مَكْرُوهٌ هَذَا إذَا كَانَ الْعَوْدُ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ، وَأَمَّا إذَا عَادَتْ بِمِيرَاثٍ فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي شِرَاءِ الْعَرِيَّةِ وَالْعُمْرَى، وَكَذَا مِنْ سَبَلَ مَاءً عَلَى مَسْجِدٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ وَسَيَأْتِي.

[قَوْلُهُ: وَالْوِدَادَ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْهِبَةُ لَا لِثَوَابِ تَمْلِيكِ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ بَدَلَ لِوَجْهِ الْمُعْطَى، فَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: ذِي مَنْفَعَةٍ الْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهَا.

وَقَوْلُهُ: لِوَجْهِ الْمُعْطِي أَخْرَجَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنَّهَا لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ لِإِرَادَةِ الثَّوَابِ مَعَ وَجْهِ الْمُعْطِي عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ هِبَةَ الثَّوَابِ.

[قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: ٩٠] إلَخْ] أَيْ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الْحُقُوقِ وَتَرْكِ الظُّلْمِ.

وَقَوْلُهُ: {وَالإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠] أَيْ إلَى مَنْ أَسَاءَ إلَيْكُمْ أَوْ الْفَرْضُ وَالنَّدْبُ.

وَقَوْلُهُ: {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: ٩٠] أَيْ وَإِعْطَاءُ ذِي الْقَرَابَةِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ.

وَقَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: ١٧٧] أَيْ حُبِّ اللَّهِ أَوْ حُبِّ الْمَالِ أَوْ حُبِّ الْإِيتَاءِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ وَهُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ بِإِعْطَائِهِ.

[قَوْلُهُ: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: ٢٧١]] أَيْ فَنِعْمَ شَيْئًا إبْدَاؤُهَا.

[قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِ مَا آيَةٍ] مَا زَائِدَةٌ أَيْ إلَى غَيْرِ آيَةٍ أَيْ أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ.

[قَوْلُهُ: بِعَدْلِ تَمْرَةٍ] بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَالْعَدْلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمِثْلُ وَبِالْكَسْرِ الْحِمْلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ بِقِيمَةِ تَمْرَةٍ.

وَقَوْلُهُ: طَيِّبٌ أَيْ حَلَالٌ.

وَقَوْلُهُ: وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ تَأْكِيدًا لِتَقْرِيرِ الْمَطْلُوبِ فِي النَّفَقَةِ.

وَقَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ذَكَرَ الْيَمِينَ لِأَنَّهَا فِي الْعُرْفِ لِمَا عَزَّ وَالْأُخْرَى لِمَا هَانَ.

وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: وَنِسْبَةُ الْأَيْدِي إلَيْهِ تَعَالَى اسْتِعَارَةٌ لِحَقَائِقِ أَنْوَارٍ عُلْوِيَّةٍ يَظْهَرُ عَنْهَا تَصَرُّفُهُ وَبَطْشُهُ بَدْءًا وَإِعَادَةً وَتِلْكَ الْأَنْوَارُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي رُوحِ الْقُرْبِ وَعَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهَا وَسِعَةِ دَوَائِرهَا تَكُونُ رُتْبَةُ التَّخْصِيصِ لِمَا ظَهَرَ عَنْهَا، فَنُورُ الْفَضْلِ بِالْيَمِينِ وَنُورُ الْعَدْلِ بِالْيَدِ الْأُخْرَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ الْجَارِحَةِ.

وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يُرَبِّيهَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بِمُضَاعَفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>