للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحِيَازَةِ وَهِيَ وَضْعُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَحُوزِ كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْهَدْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ، فَقَالَ: (وَمَنْ حَازَ دَارًا) مَثَلًا أَوْ عَقَارًا (عَلَى حَاضِرٍ) رَشِيدٍ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ شَرِيكٍ (عَشْرَ سِنِينَ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَمْ يُحْدِثْ فِيهَا بِنَاءً وَلَا هَدْمًا وَلَا غَرْسًا وَهِيَ (تُنْسَبُ) أَيْ تُضَافُ (إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا) الْمُنَازِعُ (حَاضِرٌ عَالِمٌ) بِأَنَّهَا مِلْكُهُ (لَا يَدَّعِي شَيْئًا) وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ مِنْ الْمُطَالَبَةِ (فَلَا قِيَامَ لَهُ) وَاحْتَرَزَ

ــ

[حاشية العدوي]

جُبَّةٌ وَرِدَاءٌ. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ تَكُنْ لَهُمَا تِلْكَ الْقِيمَةُ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ كَثِيرَةٌ لِكَوْنِهِ أَتَى بِإِشَارَةِ الْبَعِيدِ الَّتِي قَدْ تُفِيدُ التَّعْظِيمَ فَيُبَاعَانِ وَيُشْتَرَى لَهُ دُونَهُمَا، وَالْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُفْلِسِ.

[أَحْكَام الْحِيَازَةِ]

[قَوْلُهُ: كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ] قَضِيَّةٌ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْهَدْمَ وَالْبِنَاءَ شَرْطُ كُلِّ حِيَازَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَعْلَمُهُ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ حَازَ إلَخْ] أَيْ وَيَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ لَهَا إذْ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ شَرْطٌ فِي الْحِيَازَةِ

[قَوْلُهُ: دَارًا مَثَلًا] لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَقَارَ أَعَمُّ مِنْ الدَّارِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِقَوْلِهِ لِإِدْخَالِ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الْعَقَارِ. فَقَوْلُهُ: أَوْ عَقَارًا بَيَانٌ لِمَا دَخَلَ مَثَلًا مُرَادًا مِنْهُ مَا عَدَا الدَّارَ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ فَالْحُكْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا رَكِبَ أَجْنَبِيٌّ دَابَّةً مُدَّةَ سَنَتَيْنِ وَهُوَ يَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ عَالِمٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَيَفُوزُ بِهَا الْحَائِزُ وَمِثْلُ الدَّابَّةِ أَمَةُ الْخِدْمَةِ، وَيُزَادُ فِي الْعَبْدِ وَالْعُرُوضِ سَنَةٌ فَالْمُدَّةُ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقَرِيبِ فَلَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا

[قَوْلُهُ: عَلَى حَاضِرٍ] أَيْ مَعَ حَاضِرٍ أَيْ مَعَ وُجُودِ حَاضِرٍ.

[قَوْلُهُ: رَشِيدٍ] وَأَمَّا إذَا كَانَ سَفِيهًا فَلَا تُعْتَبَرُ الْحِيَازَةُ عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ وَالْبِكْرِ الْغَيْرِ الْمُعَنَّسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ عَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ حُضُورِ الْغَائِبِ.

[قَوْلُهُ: أَجْنَبِيٍّ] أَيْ لَا إنْ كَانَ قَرِيبًا فَسَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ: غَيْرِ شَرِيكٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا شَرِيكًا فَلَا يَفُوزُ الْحَائِزُ لِمَا حَازَهُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مُضِيُّ الْمُدَّةِ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ بِخُصُوصِ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ لِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ [قَوْلُهُ: عَشْرَ سِنِينَ] أَيْ حَازَ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا وَلَوْ بِغَيْرِ هَدْمٍ وَبِنَاءٍ كَالْإِسْكَانِ وَالْإِجَارَةِ، إلَّا أَنَّ الْهَدْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَيْ كَثِيرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلْإِصْلَاحِ مُطْلَقًا أَوْ لِغَيْرِهِ وَكَانَ يَسِيرًا فَلَا يُعْتَبَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْكَثْرَةِ لِلْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ، أَيْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ غَيْرِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى طُولِ الزَّمَانِ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ.

تَنْبِيهٌ

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي بِالْإِسْكَانِ لِلْحَائِزِ أَوْ الْإِعْمَارِ أَوْ الْإِرْفَاقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يَفُوتُ عَلَى صَاحِبِهِ وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعِي مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] سَيَأْتِي مُقَابِلُهُ

[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْدُثْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ لَمْ يَحْدُثْ إلَخْ.

وَقَوْلُهُ: وَهِيَ تُنْسَبُ إلَيْهِ هَذَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ.

[قَوْلُهُ: عَالِمٌ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ] وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ الْمُحَازَ عَنْهُ مِلْكُهُ بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكِي فِي حَالِ تَصَرُّفِ هَذَا الْحَائِزِ، وَمَا وَجَدْت الْوَثِيقَةَ إلَّا عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ كَانَ وَارِثًا وَادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ: إنَّمَا سَكَتَ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِي فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْحِيَازَةِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَكَادُ يَخْفَى، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالتَّصَرُّفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْحِيَازَةُ دَالَّةٌ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ لَا نَاقِلَةٌ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ مِنْ الْمُطَالَبَةِ] احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ ذَا شَوْكَةً فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ.

[قَوْلُهُ: فَلَا قِيَامَ لَهُ] أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُكَذِّبُهُ إذْ لَوْ كَانَتْ لَهُ لَمَا سَكَتَ عَنْ الدَّعْوَى بِهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ، وَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَفُوتُ بِالْحِيَازَةِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ كَحِيَازَةِ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قِطْعَةٍ مِنْهَا فَلَا تَمْلِكُهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهَا بِأَنَّهَا طَرِيقٌ وَمِثْلُهَا لَوْ حَازَ مَسْجِدًا أَوْ مَحَلًّا مَوْقُوفًا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْحَائِزُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَنْفَعُ فِي الْأَوْقَافِ كَمَا لَا تَنْفَعُ فِي وَثَائِقِ الْحُقُوقِ، فَلِلْمُسْتَحِقِّ مَا فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>