تَنْبِيهٌ
يُشْتَرَطُ فِي تَوَارُثِ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ غَيْرَ قَاتِلٍ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَأَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُمَا صَحِيحًا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَنْ يَرِثُ بِالسَّبَبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَبَدَأَ بِمِيرَاثِ الْأُمِّ وَذَكَرَ لَهَا ثَلَاثَةَ فَرَائِضَ: الثُّلُثُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَثُلُثُ مَا بَقِيَ وَالسُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَأَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ ابْنِهَا الثُّلُثُ) لَوْ قَالَ مِنْ وَلَدِهَا لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا مُسْلِمًا غَيْرَ قَاتِلٍ (أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) كَذَلِكَ (أَوْ اثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ مَا كَانُوا فَصَاعِدًا) ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ غَيْرَ قَاتِلِينَ.
وَأَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ) أُولَاهُمَا (فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ف) هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ (لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ) سَهْمٌ (وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) سَهْمٌ (وَمَا بَقِيَ) وَهُوَ سَهْمَانِ (فَلِلْأَبِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُلْقِي فِي الْمُعَايَاةِ، فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ وَرِثَتْ الرُّبْعَ بِالْفَرْضِ بِغَيْرِ عَوْلٍ وَلَا عَوْدٍ وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ (وَ) ثَانِيَتُهُمَا (فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ) فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ (لِلزَّوْجِ النِّصْفُ) ثَلَاثَةٌ (وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) سَهْمٌ (وَمَا بَقِيَ) وَهُوَ سَهْمَانِ (لِلْأَبِ) وَتُسَمَّى هَاتَانِ الْفَرِيضَتَانِ بِالْغَرَّاوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ غَرَّتْ فِيهِمَا فَإِنَّهَا تَأْخُذُ الثُّلُثَ لَفْظًا لَا مَعْنًى، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَأْخُذُ الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَجَعَلَ الْأُولَى مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَالثَّانِيَةَ مِنْ سِتَّةٍ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] فَابْنُ عَبَّاسٍ رَأَى
ــ
[حاشية العدوي]
[قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ الْوَلَدُ الشَّرْعِيُّ.
[قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُمَا صَحِيحًا] أَيْ أَوْ فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ.
[مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ]
[قَوْلُهُ: بِالسَّبَبِ مِنْ إلَخْ] وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ الْأَوْلَى إلَخْ] وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ بِحَالٍ بِخِلَافِ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: مَا كَانُوا] الْقَصْدُ التَّعْمِيمُ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِ الْإِخْوَةِ أَيَّ إخْوَةٍ كَانُوا بَيْنَ الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ: ذُكُورًا فَقَطْ إلَخْ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَكَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ التَّغْلِيبِ، وَأَمَّا الْوَسَطُ فَعَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ بِدُونِ تَغْلِيبٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ إنَاثًا يُقَالُ لَهُمْ أَخَوَاتٌ لَا إخْوَةٌ.
[قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الثَّانِيَةَ قَدْ أَفَادَ أَوَّلًا أَنَّهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَقَوْلُهُ: إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ أَيْ مَسْأَلَتَيْنِ فَلَيْسَ مَصْدُوقُ الْفَرِيضَةِ هُنَا مَصْدُوقَ الْفَرِيضَةِ فِي قَوْلِهِ ثَلَاثُ فَرَائِضَ.
وَقَوْلُهُ: فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ إلَخْ. بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: فِي فَرِيضَتَيْنِ بَدَلُ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ أَيْ بَدَلٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ لَا فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ، فَتُؤَوَّلُ بِأَنَّ الْمَعْنَى أُولَاهُمَا مَجْرُورٌ فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ أَيْ الْمَجْرُورُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ زَوْجَةٌ وَأَبَوَيْنِ.
[قَوْلُهُ: وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمَانِ فَلِلْأَبِ] فَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ الْأَبِ جَدًّا لَكَانَ لَهَا الثُّلُثُ حَقِيقَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ مَعَهُ بِالْفَرْضِ وَمَعَ الْأَبِ بِالتَّعْصِيبِ.
[قَوْلُهُ: تُلْقِي فِي الْمُعَايَاةِ] عِبَارَةٌ عَنْ إلْقَاءِ كَلَامٍ أَوْ عَمَلٍ لَا يُهْتَدَى لِوَجْهِهِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا يُفِيدُهُ الْأَسَاسُ لِقَصْدِ إظْهَارِ عَجْزِهِ أَوْ بَيَانِ فَضْلِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَعْنَى تُلْقِي حَالَةَ كَوْنِ إلْقَائِهَا مِنْ إفْرَادِ الْمُعَايَاةِ وَنَصُّ الْأَسَاسِ عَايَا صَاحِبَهُ مُعَايَاةً إذَا أَلْقَى عَلَيْهِ كَلَامًا أَوْ عَمَلًا لَا يُهْتَدَى لِوَجْهِهِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا عَوْدٍ] أَيْ وَلَا رَدٍّ. مِثَالُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ: هَلَكَ هَالِكٌ عَنْ بِنْتٍ فَقَطْ فَلَهَا النِّصْفُ فَرْضًا وَالْبَاقِي رَدًّا.
[قَوْلُهُ: فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ] أَيْ لِأَنَّهَا مَخْرَجُ النِّصْفِ وَثُلُثُ الْبَاقِي.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَأْخُذُ الثُّلُثَ] أَيْ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لَهَا. وَقَوْلُهُ: لَا مَعْنَى؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ فِي الْأُولَى الرُّبْعَ وَفِي الثَّانِيَةِ السُّدُسَ.
[قَوْلُهُ: فَجَعَلَ الْأُولَى] فَعَلَى هَذَا تَأْخُذُ ثُلُثَهَا أَرْبَعَةً وَالزَّوْجَةُ رُبْعَهَا ثَلَاثَةً وَالْخَمْسَةُ الْبَاقِيَةُ لِلْأَبِ. وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ مِنْ سِتَّةٍ أَيْ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ نِصْفَهَا ثَلَاثَةً وَالْأُمُّ ثُلُثَهَا اثْنَيْنِ وَالْأَبُ سُدُسَهَا وَاحِدًا قَالَ تت: وَرَأَى الْجُمْهُورُ أَنَّ أَخْذَهَا الثُّلُثَ فِيهِمَا أَيْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يُؤَدِّي لِمُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَخَذَتْ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ تَكُونُ قَدْ أَخَذَتْ مِثْلَيْ الْأَبِ وَلَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي اجْتِمَاعِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يُدْلِيَانِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَأْخُذُ الْأُنْثَى مِثْلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: وَرَأَى الْجُمْهُورُ رَدَّهُ لِمَا لِابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَوْلُهُ: يُؤَدِّي لِمُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ