للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحْدَثَةٌ لِمَا فِي النَّسَائِيّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ، ثُمَّ قَالَ: أَتَلْعَبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» (وَ) مَعَ ذَلِكَ (يَلْزَمُهُ) الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ (إنْ وَقَعَ) فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

(وَ) أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ (طَلَاقُ السُّنَّةِ) أَيْ الَّذِي أَذِنَتْ فِيهِ السُّنَّةُ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (مُبَاحٌ) ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَقْرَبْهَا) أَيْ لَمْ يُجَامِعْهَا (فِيهِ طَلْقَةً) وَاحِدَةً (ثُمَّ لَا يُتْبِعُهَا طَلَاقًا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ) فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ قُيُودٍ مَتَى فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ سُنِّيًّا، فَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي طُهْرٍ مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِيهِ مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، وَبِطَلْقَةٍ مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَبِلَا يُتْبِعُهَا إلَخْ

ــ

[حاشية العدوي]

أَنْوَاعِهِ] أَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِ النَّوْعِيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ، وَلَا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهَا مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ. [قَوْلُهُ: وَطَلَاقُ الثَّلَاثِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ] أَوْ فِي حُكْمِ الْكَلِمَةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ تَأْكِيدٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُحْدَثَةٌ] أَيْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا بَلْ أُمِرَ بِخِلَافِهَا فَلَا يُنَافِي وُقُوعَهَا فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: تَطْلِيقَاتٍ] جَمْعُ تَطْلِيقَةٍ مَصْدَرُ طَلَّقَ.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقًا. اهـ. فَتَطْلِيقَةٌ مَصْدَرٌ دَالٌّ عَلَى الْوَحْدَةِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ] ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ. [قَوْلُهُ: «أَتَلْعَبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ» ] أَيْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَكُلِّ مُشَارِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ [قَوْلُهُ: «وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» ] أَيْ بَيْنَكُمْ وَفَائِدَةُ إدْخَالِهِ فِي الْكَلَامِ أَنَّ إقَامَتَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِظْهَارِ بِهِمْ وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهِمْ، وَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ ظَهْرًا مِنْهُمْ قُدَّامَهُ وَظَهْرًا وَرَاءَهُ فَكَأَنَّهُ مَكْتُوفٌ مِنْ جَانِبَيْهِ هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِي الْإِقَامَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَكْتُوفٍ فِيهِمْ.

قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ] ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ.

[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ] أَيْ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» ، وَإِضَافَتُهُ إلَى السُّنَّةِ، وَإِنْ جَاءَ الْإِذْنُ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الْكِتَابِ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١] ؛ لِأَنَّ قُيُودَهُ مِنْ السُّنَّةِ [قَوْلُهُ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ قُيُودٍ] وَزِيدَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الطَّلْقَةُ كَامِلَةً، وَأَنْ يُوقِعَهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَرْأَةِ، وَالْبِدْعِيُّ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْحَيْضِ حَرَامٌ فِي زَمَنِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إنْ طَلَّقَهَا فِيهِ، كَمَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا إذَا طَلَّقَهَا بَيْنَ دَمَيْنِ يُلَفَّقُ ثَانِيهِمَا لِمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ غَيْرَ حَرَامٍ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمُعَاوَدَةِ الدَّمِ، وَزَادَ فِي الْإِرْشَادِ أَنْ يَكُونَ تَالِيًا لِحَيْضٍ لَمْ يُطَلِّقْ فِيهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ وَجُبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَطَلَّقَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ كَمَنْ لَمْ يُرَاجِعْ فِي طَلَاقِ الْحَيْضِ، إذْ الرَّجْعَةُ لَا تَكْمُلُ إلَّا بِالْوَطْءِ، وَإِذَا وَطِئَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ طَلَاقَ السُّنَّةِ، وَزِيدَ آخَرُ، وَهُوَ كَوْنُ الطَّلَاقِ بِلَا عِوَضٍ، وَإِلَّا كُرِهَ تت. [قَوْلُهُ: مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ] أَيْ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ إجْمَاعًا، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ، فَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَيَكُونُ تَطْوِيلًا عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقِيلَ تَعَبُّدٌ.

[قَوْلُهُ: مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ] أَيْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ: لِلُبْسِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِمَاذَا تَكُونُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي هَلْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَزِمَهُ وَاعْتَدَّتْ بِهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَبِلَا يُتْبِعَهَا إلَخْ] وَضَّحَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا أَتْبَعَهَا طَلَاقًا قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَلَيْسَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ سُنِّيًّا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ إذَا نَوَى ذَلِكَ عِنْدَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِهِ، وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ دَاخِلَ الْعِدَّةِ أَوْ الثَّلَاثَ كَانَ الْأَوَّلُ سُنِّيًّا وَالثَّانِي بِدْعَةٌ، بَلْ مَتَى نَوَى عِنْدَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ أَنْ يُتْبِعَهَا بِأُخْرَى كَانَ الْأَوَّلُ بِدْعِيًّا، وَإِنْ لَمْ يُتْبِعْهَا.

تَتِمَّةٌ: الطَّلَاقُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْإِبَاحَةُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْحُرْمَةُ وَالْوُجُوبُ. أَمَّا الْوُجُوبُ: بِأَنْ يَلْزَمَ عَلَى عَدَمِهِ الْإِضْرَارُ بِالْمَرْأَةِ كَأَنْ لَا يَجِدَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَعْجِزَ عَنْ الْوَطْءِ مَعَ عَدَمِ رِضَاهَا بِذَلِكَ.

وَأَمَّا النَّدْبُ: بِأَنْ تَكُونَ زَانِيَةً أَوْ تَارِكَةَ الصَّلَاةِ، وَلَا تَنْزَجِرُ عَنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقًا بِحُبِّهَا فَلَهُ مَسْكُهَا وَعُلِمَ بَقِيَّةُ الْأَقْسَامِ مِمَّا تَقَدَّمَ.

[الرَّجْعَةِ]

[قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>