بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. . . إلَخْ]
بَيَانُ (الشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ وَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَاللُّقْطَةِ وَالْغَصْبِ) فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ كَمَا ذَكَرَهَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَزَادَ فِيهِ قَوْلَهُ: وَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرْضَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَضَبْطُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَبَيَانُ مَعَانِيهَا بِذِكْرِ كُلٍّ مَحَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَمَّا الشُّفْعَةُ فَبِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ ضِدُّ الْوَتْرِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ بِضَمِّ الْحِصَّةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا إلَى حِصَّتِهِ فَتَصِيرُ حِصَّتُهُ حِصَّتَيْنِ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهَا أَخْذُ الشَّرِيكِ حِصَّةَ شَرِيكِهِ جَبْرًا شِرَاءً فَأَخْذُ جِنْسٌ وَخَرَجَ بِإِضَافَتِهِ إلَى الشَّرِيكِ الْجَارُ فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ عِنْدَنَا، وَبِحِصَّتِهِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ كَامِلًا مِمَّا لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهِ، وَبِالْجَبْرِ مَا يَأْخُذُهُ بِالشِّرَاءِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَبِالشِّرَاءِ مَا يَأْخُذُهُ بِاسْتِحْقَاقٍ وَهِيَ رُخْصَةٌ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّ فِيهَا بَيْعَ الرَّجُلِ مُلْكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَرْخَصَ فِيهَا
دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِيكِ.
قَالَ جَابِرٌ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا يَنْقَسِمُ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأُخِذَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ حُكْمَانِ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ دُونَ الْجَارِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ جَارٌ وَوُجُوبُهَا فِي الرِّبَاعِ دُونَ الْعُرُوضِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْمُشَاعِ) يَعْنِي
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ]
بَابُ الشُّفْعَةِ
[قَوْلُهُ: ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ] أَيْ مَرْتَبَةً كَمَا ذَكَرَهَا فِي التَّرْجَمَةِ مَرْتَبَةً [قَوْلُهُ: وَزَادَ فِيهِ] أَيْ فِي الْبَابِ قُبَيْلَ بَابِ الْغَصْبِ لِلْمُنَاسَبَةِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَرْجَمِ لَهُ مَحْمُودَةٌ لِوُقُوعِهَا فِي آيَةِ {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: ١٧] وَفِي السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . [قَوْلُهُ: وَضَبْطُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ] أَيْ مَا يَحْتَاجُ لِضَبْطٍ [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ] وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَفَتْحُ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَتَصِيرُ حِصَّتُهُ] أَيْ الْمَمْلُوكِ وَتَسْمِيَتُهُ حِصَّةً لِلْمُشَاكَلَةِ [قَوْلُهُ: أَخْذُ الشَّرِيكِ إلَخْ] عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ أَيْ طَلَبُ الشَّرِيكِ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَ بِهِ سَوَاءٌ أَخَذَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ، فَالشُّفْعَةُ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ وَعَدَمِهِ، وَتَعْرِيفُ ابْنِ الْحَاجِبِ مُعْتَرَضٌ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْأَخْذِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْأَخْذُ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الِاسْتِحْقَاقُ وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يُطْلِقُونَهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ كَقَوْلِهِمْ: أَسْقَطَ فُلَانٌ شُفْعَتَهُ أَوْ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَيُنَاقَشُ أَيْضًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِاقْتِضَائِهِ ثُبُوتَهَا فِي الْعَرُوضِ وَهِيَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا. بَقِيَ أَنَّ قَوْلَهُ حِصَّتُهُ أَيْ بِحَسَبِ الْمَالِ وَإِلَّا فَهِيَ الْآنَ حِصَّةُ شَرِيكِهِ. [قَوْلُهُ: مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ] أَيْ مِنْ شَرِيكِهِ، وَقَوْلُهُ: مَا يَأْخُذُهُ بِاسْتِحْقَاقٍ أَيْ مِنْ شَرِيكِهِ.
[قَوْلُهُ: بَيْعُ الرَّجُلِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا وَقَعَتْ إلَخْ] زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ جَابِرٍ.
قَالَ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَلَامٌ تَامٌّ وَالثَّانِي كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ، وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مَرْفُوعًا لَقَالَ إذَا وَقَعَتْ اهـ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِدْرَاجُ بِدَلِيلٍ أَفَادَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ جَارٌ] أَيْ إنَّمَا قُلْنَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْجَارَ لَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ حَكَمَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute