شَاءَ السَّيِّدُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ، وَإِنْ بَاشَرَتْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ الْإِجَازَةُ بِحَالٍ، بَلْ يَجِبُ الْفَسْخُ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ شُرُوطِ الْوَلِيِّ بِذِكْرِ أَضْدَادِهِ، فَقَالَ: (وَلَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مَنْ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ الذُّكُورِيَّةُ فَشَرْطٌ اتِّفَاقًا فَالْمَرْأَةُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَعْقِدَ عَلَى نَفْسِهَا كَانَ عَقْدُهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ أَحْرَى، إذْ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تَعْقِدُ عَلَى الذَّكَرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي عَبْدِهَا وَالصَّغِيرِ فِي حِجْرِهَا، وَالْفَرْقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَالْعَبْدُ وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ لَا وِلَايَةَ لَهُ إلَّا الْمُكَاتَبَ فِي أَمَتِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
الْعَبْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَإِنْ أَبْطَلَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يُتْبَعْ بَعْدَ عِتْقِهِ بِشَيْءٍ، وَحُكْمُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ حُكْمُ الْقِنِّ، لَكِنْ الْمُكَاتَبُ يَسْقُطُ عَنْهُ إنْ لَمْ يُغَرَّ أَوْ غُرَّ وَرَجَعَ رَقِيقًا لَا إنْ خَرَجَ حُرًّا [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ سَوَاءٌ عَقَدَ لَهَا رَجُلٌ بِتَوْكِيلِهَا أَوْ عَقَدَتْ لِنَفْسِهَا، وَلَوْ عَقَدَ لِلْأَمَةِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْآخَرُ، وَيُفْسَخُ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا، وَيَكُونُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ نَقَصَ الْمُسَمَّى عَنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أُتِمَّ لِلْغَائِبِ نِصْفُ صَدَاقِ الْمِثْلِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى.
[شُرُوطِ الْوَلِيِّ]
[قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ إلَخْ] أَيْ فَشُرُوطُ الْوَلِيِّ ثَمَانِيَةٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ الذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ، وَالْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ الضَّعِيفُ الْعَقْلِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْمُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ، وَهَذِهِ السِّتَّةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا، وَهُمَا الرُّشْدُ وَالْعَدَالَةُ، أَمَّا الرُّشْدُ فَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ السَّفِيهَ يَعْقِدُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إذَا كَانَ ذَا رَأْيٍ، وَلَا يَعْقِدُ إذَا كَانَ ضَعِيفَ الرَّأْيِ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ، وَإِنَّمَا يَقْدَحُ فِي كَمَالِ الْعَقْدِ دُونَ صِحَّتِهِ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ] أَيْ نِكَاحَ غَيْرِهَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَالشَّرْحِ، وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَتَهَا أَوْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُوَكِّلَ رَجُلًا يَعْقِدُ عَلَى مَمْلُوكَتِهَا أَوْ مَنْ فِي وَصِيَّتِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ الذُّكُورَةُ فَإِنْ عَقَدَتْهُ، وَلَوْ عَلَى نَفْسِهَا كَانَ بَاطِلًا [قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدٌ إلَخْ] ، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ أَمَتَهُ وَالْحَقُّ لِسَيِّدِهِ [قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ الذُّكُورِيَّةُ فَشَرْطٌ اتِّفَاقًا] لَا مَفْهُومَ لِلْأَوَّلِ بَلْ وَكَذَا مَا بَعْدُ لِمَا عَلِمْت [قَوْلُهُ: إذْ لَا يَجُوزُ] لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّعْلِيلِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ إلَخْ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي عَبْدِهَا وَالصَّغِيرِ فِي حِجْرِهَا] فِيهِ قُصُورٌ وَلِذَلِكَ زَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّحْقِيقِ وَمَنْ وَكَّلَهَا مِمَّنْ يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ] أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَهْلٌ لِلْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى، ثَانِيهَا أَنَّ الصَّبِيَّ قَادِرٌ عَلَى رَفْعِ الْعَقْدِ إنْ كَرِهَهُ بِخِلَافِ الْأُنْثَى، ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الْكَفَاءَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأُنْثَى ذَكَرَهَا فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: إلَّا الْمُكَاتَبَ فِي أَمَتِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا] هَذَا خِلَافُ الصَّوَابِ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ الْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِ مَنْ فِي وَصِيَّتِهِ، نَعَمْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ قَهْرًا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ غِبْطَةٌ وَمَصْلَحَةٌ بِأَنْ دَفَعَ الزَّوْجُ لَهَا صَدَاقًا وَاسِعًا بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْبِرُ عَيْبَ التَّزْوِيجِ، وَيَزِيدُ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا كَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا خَمْسِينَ وَبِعَيْبِ التَّزْوِيجِ أَرْبَعِينَ وَصَدَاقُ مِثْلِهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ تَزْوِيجِهَا عَيْبًا، عَشَرَةٌ مَثَلًا فَيُزَوِّجُهَا بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَهِيَ أَزْيَدُ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَمِنْ عَيْبِ التَّزْوِيجِ مَعًا.
[قَوْلُهُ: وَلَهُ