عَنْ اتِّخَاذِهِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ.
الثَّالِثُ: مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَهُوَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ، وَمَا شَارَكَهُمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا كَالْمُعَاطَاةِ.
وَافْتَتَحَ الْبَابَ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] ، وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَحَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ أَيْضًا، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ بِلَا خِلَافٍ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَمَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
تَعَلَّقَ بِالْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلِ أَوْ التَّفْصِيلِ فَقَطْ أَفْسَدَ الْعَقْدَ، أَمَّا إنْ جُهِلَتْ جُمْلَتُهُ وَعُلِمَ تَفْصِيلُهُ فَلَا يَضُرُّ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَيُرِيدُ أَخْذَ الْجَمِيعِ.
مِثَالُ الْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلِ وَاضِحٌ وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ أَوْ أَحَدُهُمَا لِأَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ كَثُلُثٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ عَكْسِهِ وَيَبِيعَانِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً بِكَذَا فَالثَّلَاثُ فَاسِدَةٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ كُلٍّ أَوْ سُدُسُهُ أَوْ نِصْفُهُ وَلِلْآخَرِ الْبَاقِي فَلَا جَهْلَ. فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا جَهْلَ فِي الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَيَجُوزُ، وَالْمَنْعُ فِيمَا تَقَدَّمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَفِ الْجَهْلُ، فَإِنْ انْتَفَى جَازَ، كَمَا إذَا سَمَّيَا أَيْ عَيَّنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرًا مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَقَعُ الشِّرَاءُ بِهِ قَبْلَ ذِكْرِ الْمُشْتَرِي لَهُ أَوْ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَهُ وَقَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ، مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَ مَا يَدْفَعُهُ الْمُشْتَرِي أَوْ مَا دَفَعَهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَيْهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَوَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ عَلَى حَسَبِ الْقِيمَتَيْنِ أَوْ يَتَسَاوَيَا [قَوْلُهُ: غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْ اتِّخَاذِهِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ اتِّخَاذُهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَقْتَضِي أَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْ بَيْعِهِ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُحَرَّمٍ لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ
[قَوْلُهُ: الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ] الْإِيجَابُ مِنْ الْبَائِعِ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْإِيجَابُ مَصْدَرُ أَوْجَبَ أَيْ أَثْبَتَ، وَلَمَّا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُبْتَدِئَ فِي الْأَصْلِ عُدَّ مُثْبِتًا لِلْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ الْإِثْبَاتُ، إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا دَلَّ صَرِيحًا كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت أَوْ الْتِزَامًا كَخُذْ وَهَاتِ وَعَاوَضْتُكَ هَذَا بِهَذَا، وَقَوْلُهُ: كَالْمُعَاطَاةِ دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ إشَارَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ جَانِبٍ، وَقَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ مِنْ الْآخَرِ أَوْ قَوْلٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَفِعْلٌ مِنْ الْآخَرِ.
أَمَّا الْمُعَاطَاةُ فَهِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ فَيُعْطِيَهُ الْمَثْمُونَ أَوْ الْعَكْسُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا اسْتِيجَابٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ فِعْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَأَمْثِلَةُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ ظَاهِرَةٌ، وَالْمُعَاطَاةُ الْمَحْضَةُ الْعَارِيَّةُ عَنْ قَوْلٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اللُّزُومِ فِيهَا مِنْ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَالْمُثَمَّنِ فَمَنْ أَخَذَ مَا عَلِمَ ثَمَنَهُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنْ دَفَعَ ثَمَنَ رَغِيفٍ لِشَخْصٍ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبِضَ الرَّغِيفَ، وَأَمَّا أَصْلُ وُجُودِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِهِمَا فَمَنْ أَخَذَ مَا عَلِمَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِكِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الثَّمَنَ وُجِدَ بِذَلِكَ أَصْلُ الْعَقْدِ لَا لُزُومُهُ، وَكَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِتَقَدُّمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ بِعْنِي عَلَى الْإِيجَابِ مِنْ الْبَائِعِ بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُك وَلَا يَشْتَرِطُ كَمَا قَالَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي فَوْرِيَّةَ الْإِيجَابِ بَلْ الْمُخْتَارُ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ مَا تَأَخَّرَ.
[الربا وَأَنْوَاعه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]
[قَوْلُهُ: تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَصَدَ التِّلَاوَةَ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] لِلتَّنْصِيصِ عَلَى التِّلَاوَةِ وَلِلتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا لَا مَدْلُولًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ قَصْدِ التِّلَاوَةِ يَكُونُ مَدْلُولًا أَيْ دَعْوَةً مُفْتَقِرَةً لِلدَّلِيلِ [قَوْلُهُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥]] أَفَادَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْجَوَازُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: أَيْضًا] أَيْ كَمَا حَرَّمَهُ الْكِتَابُ [قَوْلُهُ: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ] أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ إلَخْ] فِي التَّفْرِيعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً، فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّحْرِيمِ بِمُجَرَّدِهِ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ [قَوْلُهُ: بِلَا خِلَافٍ] أَيْ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ [قَوْلُهُ: يُسْتَتَابُ] أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَبِلَا عَطَشٍ وَبِلَا مُعَاقَبَةٍ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا قُتِلَ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَلَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ إنْ سَبَقَهُ الْفَجْرُ وَلَا تُلَفَّقُ الثَّلَاثَةُ، وَلَا فَرْقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute