الْمُتَبَايِعَانِ) عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنَّ التَّفَرُّقَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا» مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ، وَهُنَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى الْبُيُوعِ.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا شَاكَلَهَا وَبَدَأَ بِالْإِجَارَةِ، وَهِيَ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، فَقَالَ: (وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ رَجُلًا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» . وَلَهَا أَرْكَانٌ وَشُرُوطٌ، أَمَّا أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ وَشَرْطُهُمَا التَّمْيِيزُ، وَالتَّكْلِيفُ شَرْطَ لُزُومٍ، وَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَالْمُسْلِمُ كَمَا فِي عَاقِدِي الْبَيْعِ. الثَّانِي: الْأُجْرَةُ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبِيَاعَاتِ صَحَّ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً مُنْتَفَعًا بِهَا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا مَعْلُومَةً. الثَّالِثُ: الْمَنْفَعَةُ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً احْتِرَازًا مِنْ الْغِنَاءِ وَآلَاتِ الطَّرَبِ، وَأَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً تَحْتَ التَّقْوِيمِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا لِيَسْتَوْقِدَ مِنْهَا نَارًا، وَأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَضَمِّنَةً اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ لِاسْتِيفَاءِ ثَمَرِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
ــ
[حاشية العدوي]
مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ مِنْ جَانِبِ وَاحِدٍ يُوجَدُ بِهَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ لَا لُزُومُهُ. [قَوْلُهُ: الْمُتَبَايِعَانِ] تَثْنِيَةُ مُتَبَايِعٍ بِالْيَاءِ لَا بِالْهَمْزِ. [قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ إلَخْ] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَرْجَحُ وَأَقَلُّ تَكَلُّفًا لِلتَّأْوِيلِ اهـ.
[الْإِجَارَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]
[قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِالْإِجَارَةِ] مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَجْرِ بِمَعْنَى الثَّوَابِ. يُقَالُ: اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا بِأُجْرَةٍ أَيْ بِثَوَابٍ يُثِيبُهُ عَلَى عَمَلِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ] هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ الْكِرَاءَ، وَعَرَّفَهَا عج بِقَوْلِهِ: بَيْعُ مَنْفَعَةِ عَاقِلٍ بِعِوَضٍ ثُمَّ أَقُولُ: وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِعَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَلَا بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ. [قَوْلُهُ: مَعْلُومًا] أَيْ بِالْعَادَةِ أَوْ بِالشَّرْطِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِالْعَادَةِ أَوْ بِالشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي] بِبِنَاءِ الْفَاعِلِ وَمَعْنَاهُ أَعْطَى الْأَمَانَ بِاسْمِي أَوْ بِذِكْرِي أَوْ بِمَا شَرَعْتُهُ مِنْ دِينِي، ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ لِلْمُسْتَجِيرِ لَك ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ عَهْدُ اللَّهِ ثُمَّ تَغْدِرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَكَذَا فِي شَرْحِ التَّرْغِيبِ، وَالتَّرْهِيبِ. [قَوْلُهُ: بَاعَ رَجُلًا] فِي نُسْخَةٍ حُرًّا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بَاعَ نَفْسَ الْحُرِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ.
[قَوْلُهُ: وَالتَّكْلِيفُ شَرْطُ لُزُومٍ] الْمُرَادُ بِهِ الرُّشْدُ، وَالطَّوْعُ فَعَقْدُ الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ عَلَى سِلَعِهِمَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِمَا صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلِوَلِيِّهِمَا فَسْخُهُ وَإِمْضَاؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَكَذَا إنْ عَقَدَ السَّفِيهُ أَوْ الْمُكْرَهُ إكْرَاهًا حَرَامًا يَكُونُ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ، وَلِلْمُكْرَهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ الْإِجَازَةُ أَوْ الْفَسْخُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقْدُ السَّفِيهِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي إجَارَتِهِ نَفْسِهِ مُحَابَاةٌ. [قَوْلُهُ: كَمَا فِي عَاقِدِي الْبَيْعِ إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ، وَالْمُصْحَفَ شَرْطَانِ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الصِّحَّةِ. [قَوْلُهُ: كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا] أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَقُلْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِالطَّعَامِ، وَمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ لِصِحَّةِ كَوْنِهِمَا ثَمَنًا وَعَدَمِ صِحَّةِ كَوْنِهِمَا أُجْرَةً لِأَرْضِ الزِّرَاعَةِ. [قَوْلُهُ: الْغِنَاءِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْغِنَاءَ مَكْرُوهٌ لِذَاتِهِ، وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِعَارِضٍ.
وَظَاهِرُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الصِّحَّةِ إذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً. [قَوْلُهُ: وَآلَاتِ الطَّرَبِ] أَيْ وَصَوْتِ آلَاتِ الطَّرَبِ [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً تَحْتَ التَّقْوِيمِ] الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ تَحْتَ التَّقْوِيمِ قَبُولُهَا إيَّاهُ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ نَارٍ] وَلَا التُّفَّاحَةِ لِشَمِّهَا؛ لِأَنَّ تَأَثُّرَهَا لَيْسَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مُرُورِ الزَّمَنِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَضَمِّنَةٍ] أَيْ مُشْتَمِلَةٍ [قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ] ، وَكَذَا لَا تُسْتَأْجَرُ الشَّاةُ لِأَخْذِ نِتَاجِهَا أَوْ صُوفِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْإِرْضَاعِ وَمَسْأَلَةُ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا عَيْنٌ أَوْ بِئْرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاحْتَرَزَ أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ قَصْدًا مِنْ إجَارَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يَذْهَبُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute