مِنْ ضَرْبَةٍ وَنَحْوِهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ (وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ) ، وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ هَذِهِ الْعُهْدَةُ بِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهَا تَتَقَدَّمُ وَيَظْهَرُ مَا يَظْهَرُ مِنْهَا فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ دُونَ فَصْلٍ بِحَسَبِ مَا أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَادَةَ فِيهِ بِاخْتِصَاصِ تَأْثِيرِ ذَلِكَ السَّبَبِ بِذَلِكَ الْفَصْلِ، فَانْتَظَرَ بِذَلِكَ الْفُصُولَ الْأَرْبَعَةَ وَهِيَ السَّنَةُ كُلُّهَا حَتَّى يَأْمَنَ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ وَمِنْ التَّدْلِيسِ. تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَدَاخُلِ الْعُهْدَتَيْنِ قَوْلَيْنِ مَشْهُورُهُمَا عَدَمُ التَّدَاخُلِ فَعُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي التَّقْرِيرِ؛ لِأَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ فِي الثَّلَاثِ مِنْ الْبَائِعِ وَفِي السَّنَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي: إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْعُهْدَةِ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ فَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهَا عَنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ بِهِ، فَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَلَهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ، وَلَا يَكُونُ بِإِسْقَاطِهِ لِحَقِّهِ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ مُسْقِطًا لِمَا مَضَى مِنْهَا الثَّالِثُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَيُمْنَعُ بِشَرْطٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَجُوزُ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا فِي عُيُوبٍ يَسِيرَةٍ الْغَالِبُ السَّلَامَةُ مِنْهَا فَيُؤْمَنُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي تَارَةٍ بَيْعًا وَتَارَةٍ سَلَفًا كَمَا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى السَّلَمِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ) وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ أَيْضًا وَاسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا بِمَعْنَى الْجَائِزِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ لَكِنَّهُ جُعِلَ لَقَبًا عَلَى مَا لَمْ يُتَعَجَّلْ فِيهِ قَبْضُ الْمَثْمُونِ فَحَقِيقَتُهُ تَقْدِيمُ
ــ
[حاشية العدوي]
خَوْفٍ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ لِإِمْكَانِ زَوَالِهِ بِمُعَالَجَةٍ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ كَذَا ذَكَرُوا، وَمَا قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّ الْجُنُونَ بِالطَّبْعِ كَالْجُنُونِ بِمَسِّ الْجَانِّ ذَكَرَهُ النَّاصِرُ وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ كَالْجُنُونِ بِطَرْبَةٍ. [قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ] أَيْ فَإِنَّهُ يَرَاهُ مُوجِبًا لِلرَّدِّ سَوَاءٌ كَانَ بِضَرْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فِي السَّنَةِ بِغَيْرِ جُنُونٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ الْبَائِعِ. [قَوْلُهُ: وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ] أَيْ الْمُحَقَّقَيْنِ وَفِي مَشْكُوكِهِمَا خِلَافٌ بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْحَاصِلِ مِنْ تِلْكَ الْأَدْوَاءِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ لَا إنْ حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْهَا دَاخِلَ السَّنَةِ وَزَالَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا رَدَّ بِهِ إلَّا أَنْ تَقُولَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِعَوْدِهِ، وَيَسْقُطُ كُلٌّ مِنْ الْعُهْدَتَيْنِ بِالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ.
تَنْبِيهٌ:
اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مَسَائِلَ لَا عُهْدَةَ فِيهَا مِنْهَا الْمُنْكَحُ بِهِ، وَالْمُخَالَعُ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَا عُهْدَةَ فِيهَا لِمُقْتَضَى الْعَادَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّرْطِ فَيُعْمَلُ بِهَا كَمَا قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: الْأَدْوَاءِ] جَمْعُ دَاءٍ [قَوْلُهُ: تَأْثِيرِ ذَلِكَ السَّبَبِ] أَرَادَ بِهِ الْأَمَارَةَ لَا التَّأْثِيرَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ إلَخْ] أَيْ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ اخْتَلَفَ الزَّمَنُ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ إلَخْ] ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِحَمْلِ السُّلْطَانِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ السُّلْطَانَ إذَا نَهَجَ مَنْهَجًا يُتَّبَعُ وَلَا يُخَالَفُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ فِي الْإِسْقَاطِ مُخَالَفَةٌ لَهُ بَلْ الْإِسْقَاطُ مُحَقِّقٌ لَهَا فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: فَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ] بِأَنْ قَالَ مَا حَدَثَ بَعْدُ فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ حَدَثَ فِي الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُسْقِطْ فِيهِمَا الْعُهْدَةَ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ إنَّمَا أَسْقَطَهَا فِي الثَّالِثِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ] أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي الْخِيَارِ وَلَا فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ] أَيْ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ، الْغَالِبُ السَّلَامَةُ مِنْهَا فَيَأْمَنُ وُقُوعَهُ فِي تَارَةٍ سَلَفًا وَتَارَةٍ بَيْعًا.
[السَّلَم وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]
[قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ أَيْضًا] وَهَلْ السَّلَفُ بِمَعْنَى الْقَرْضِ يُقَالُ لَهُ سَلَمٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ] الْمُنَاسِبُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّ النَّوْعَ يُضَافُ لِجِنْسِهِ، فَأَرَادَ