للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَنِ وَتَأْخِيرُ الْمَثْمُونِ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَشُرُوطٌ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَشُرُوطٌ فِي أَجَلِهِ، فَاَلَّتِي فِي رَأْسِ الْمَالِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُعَيَّنًا مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ مُعَجَّلًا مُغَايِرًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ، وَاَلَّتِي فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ تِسْعَةٌ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْأَجَلِ غَالِبًا وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ وَيَحِلُّ تَمَلُّكُهُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَالْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ مِمَّا تَحْصُرُهُ الصِّفَةُ وَاَلَّتِي فِي الْأَجَلِ شَيْئَانِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الشَّيْخُ هَذِهِ الشُّرُوطَ كُلَّهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ بَعْضَهَا غَيْرَ مَرْتَبَةٍ فَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ شُرُوطِ مَا يُسَلَّمُ فِيهِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ وَيَحِلُّ تَمَلُّكُهُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ: (فِي الْعُرُوضِ الرَّقِيقِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالطَّعَامِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالْإِدَامِ) ق: حَصَرَ غَالِبَ مَا يُسَلَّمُ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّلَمَ فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَنَصَّ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَثْمُونًا اهـ.

قُلْت: أَمَّا الْعُرُوض فَجَمْعُ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَمَعْلُومٌ،

ــ

[حاشية العدوي]

بِقَوْلِهِ نَوْعُ بَيْعٍ مِنْ الْبُيُوعِ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ] لَا مَوْقِعَ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُبْهَمٌ فَيُبَيِّنُ بِقَوْلِهِ جُعِلَ لَقَبًا إلَخْ بِدُونِ زِيَادَةِ لَكِنَّ. [قَوْلُهُ: جُعِلَ] أَيْ لَفْظُ السَّلَمِ وَقَوْلُهُ لَقَبًا أَيْ اسْمًا. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا لَمْ] أَيْ عَلَى عَقْدٍ. [قَوْلُهُ: فَحَقِيقَتُهُ تَقْدِيمُ الثَّمَنِ] فِيهِ مُسَامَحَةً؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الثَّمَنِ لَيْسَ حَقِيقَةً لِذَلِكَ الْبَيْعِ [قَوْلُهُ: الْكِتَابُ] أَيْ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَقَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ أَيْ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» اهـ.

وَقَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ أَيْ فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهِ. [قَوْلُهُ: وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ فِيمَا ذَكَرَ لَا يَخُصُّ السَّلَمَ كَكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَلَا يُذْكَرُ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّأْخِيرُ، وَهَذَا الشَّرْطُ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: وَلَا يَجُوزُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا] أَيْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ كَخَمْسَةِ دَنَانِيرَ مُحَمَّدِيَّةٍ. وَقَوْلُهُ: مُعَيَّنًا أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ مُعَيَّنًا كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: أُسْلِمُك هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الْمَعِيبَةَ فَلَوْ قَالَ لَهُ: أُسْلِمُك خَمْسَةَ دَنَانِيرَ مُحَمَّدِيَّةٍ مَثَلًا فِي إرْدَبِّ قَمْحٍ تَدْفَعُهُ لِي فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَلَمًا هَذَا مَدْلُولُ عِبَارَتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ إذْ مِثْلُ ذَلِكَ السَّلَمِ صَحِيحٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُعَيَّنًا مَعْلُومًا أَيْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ، فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ مَعْلُومًا تَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ إلَخْ] احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ. [قَوْلُهُ: مُعَجَّلًا] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَتَأْخِيرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. [قَوْلُهُ: مُغَيِّرًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُمَاثِلًا لَهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَرْضٌ، وَلَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ السَّلَمِ فَإِنْ قَصَدْت مِنْهُ نَفْعَك أَوْ نَفْعَكُمَا مَعًا مُنِعَ، وَإِنْ قَصَدْت بِهِ نَفْعَ الْمُقْتَرِضِ صَحَّ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُغَايَرَةَ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتَبَرَ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ تَقُولَ: مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لِلْمُسْلَمِ وَأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي تَسْمِيَتِهِ سَلَمًا لَا فِي الْجَوَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: تِسْعَةٌ] بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ مِنْ كَلَامِهِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا] احْتَرَزَ عَنْ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَالُ عِنْدَنَا [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْأَجَلِ غَالِبًا] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا لَمَا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي فَاكِهَةِ الشِّتَاءِ لِيَأْخُذَهَا فِي الصَّيْفِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّ خُصُوصَ الْمَوَاضِعِ فِيهَا مَقْصُودَةٌ لِلْعُقَلَاءِ، فَإِنْ عَيَّنَ لَمْ يَكُنْ سَلَمًا؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ كَانَ سَلَمًا فِي مَجْهُولٍ قَالَهُ صَاحِبُ النُّكَتِ. [قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ تَمَلُّكُهُ] فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ وَجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ.

[قَوْلُهُ: مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ] قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: احْتِرَازًا مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَهْلَكُ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>