للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمْ) بِالنَّصِّ (عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ) بِالنَّصِّ.

وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْخُطْبَةِ، ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ سَبَبَ تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ: (أَمَّا) كَلِمَةُ افْتِتَاحٍ وَفَصْلٍ، يَفْصِلُ بِهَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (بَعْدُ) ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ (أَعَانَنَا اللَّهُ) أَيْ خَلَقَ لَنَا قُدْرَةً عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ (وَإِيَّاكَ) وَغَيْرُهُ مِمَّا سَيَأْتِي لِمَنْ سَأَلَهُ تَأْلِيفَ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ الشَّيْخُ مُحْرِزٌ (عَلَى رِعَايَةِ) أَيْ حِفْظِ (وَدَائِعِهِ) وَهِيَ الْجَوَارِحُ السَّبْعَةُ بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ (وَ) أَعَانَنَا عَلَى (حِفْظِ مَا أُودِعْنَا مِنْ شَرَائِعِهِ) جَمْعُ شَرِيعَةٍ، وَهِيَ الْأَحْكَامُ

ــ

[حاشية العدوي]

تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِالنَّظَرِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ لَا بِالنَّظَرِ لِلثَّوَابِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ فَنَقُولُ: إنَّ مَا تَوَقَّفَتْ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ يُثَابُ إذَا قَصَدَ الِامْتِثَالَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَا إنْ قَصَدَ عَدَمَ الِامْتِثَالِ، وَأَمَّا مَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ فَيَتَوَقَّفُ حُصُولُ الثَّوَابِ فِيهِ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ لَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ قَصَدَ عَدَمَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنَّظَرِ لِلْمَأْمُورِ.

وَأَمَّا الْمَنْهِيُّ فَثَوَابُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ الِامْتِثَالِ فِي التَّرْكِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ الْعُهْدَةِ فَيَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الِاجْتِنَابِ هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ عج فَرَاجِعْهُ.

[قَوْلُهُ: وَاسْتَغْنَوْا إلَخْ] لَازِمٌ مِمَّا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ إلَخْ] اعْتَرَضَهُ عج بِقَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ بِالدَّلِيلِ بَدَلَ قَوْلِهِ بِالنَّصِّ فِيهِمَا لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا النَّصُّ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُ مِنْ بَاقِي الْأَدِلَّةِ أَيْ كَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ اهـ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّصِّ نَصُّ الْأَئِمَّةِ فَيَشْمَلُ بَاقِيَ الْأَدِلَّةِ مَا وَرَدَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ حَتَّى لَا يَشْمَلَ. تَتِمَّةٌ:

لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْعَقْلِ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِحِلٍّ وَلَا تَحْرِيمٍ، هَلْ يَكُونُ حَلَالًا أَوْ يُوقَفُ عَنْهُ؟ هُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ لَا أَصْلِيًّا وَلَا فَرْعِيًّا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي تَحْكِيمِهِمْ الْعَقْلَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ اهـ.

[سَبَب تَأْلِيف الْكتاب]

[قَوْلُهُ: وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْخُطْبَةِ إلَخْ] فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ بَيَانَ سَبَبِ التَّأْلِيفِ لَيْسَ مِنْ الْخُطْبَةِ مَعَ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ أَنَّ الْخُطْبَةَ مَا تُقَدَّمُ أَمَامَ الْمَقْصُودِ فَيَشْمَلُ سَبَبَ التَّأْلِيفِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ مُصْطَلَحَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ اسْمٌ لِمَا احْتَوَى عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ [قَوْلُهُ: هَذَا الْكِتَابِ] الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْكِتَابِ الْأَلْفَاظُ وَهِيَ أَعْرَاضٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا. [قَوْلُهُ: كَلِمَةُ افْتِتَاحٍ] أَيْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا كَلَامٌ مُفْتَتَحٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ عَنْ الَّذِي قَبْلَهَا فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ افْتِتَاحٌ يُنَافِي قَوْلَهُ فَصْلٌ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا وَقَعَتْ أَوَّلًا، وَلَفْظُ فَصْلٍ يُشْعِرُ بِسَبْقِ كَلَامٍ، وَجَوَابُهُ مَا أَشَرْنَا لَهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى كَلِمَةِ افْتِتَاحٍ أَنَّ بَعْدَهَا كَلَامًا مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْلَهَا.

[قَوْلُهُ: أَعَانَنَا اللَّهُ إلَخْ] النُّونُ إمَّا لِلْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَإِيَّاكَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ اهْتِمَامًا بِهِ لِكَوْنِهِ السَّائِلَ أَوْ لِلْعَظَمَةِ، إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ التَّعَاظُمِ بِالْعِلْمِ فَقَدْ جَدَّ الْأَثَرُ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَعَاظَمْ بِالْعِلْمِ» وَمَعْنَاهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ عَظِيمًا بِالْعِلْمِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَحَلًّا لَهُ وَمَوْصُوفًا بِهِ وَلَمْ يَسْتَرْذِلْهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّ مَعْنَى التَّعَاظُمِ رُؤْيَةُ النَّفْسِ مُرْتَفِعَةً عَلَى الْغَيْرِ مُحْتَقِرَةً بِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَذَا قَالَ عج.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الشَّيْخُ مُحْرَزٌ] بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْجَوَارِحُ السَّبْعَةُ] السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَجُعِلَتْ وَدَائِعَ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْوَدَائِعِ مِنْ الْمَالِ بِجَامِعِ الْحِفْظِ مِنْ التَّلَفِ وَالضَّيَاعِ، فَاسْتِعْمَالُ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِ مَا جُعِلَتْ لَهُ تَلَفٌ لَهَا وَضَيَاعٌ، وَوَدَائِعُ جَمْعُ وَدِيعَةٍ فَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ.

[قَوْلُهُ: بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ إلَخْ] مُتَعَلِّقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>