للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى جِرَاحِ الْعَمْدِ فَقَالَ: (وَفِي الْجِرَاحِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي الْمَتَالِفِ مِثْلِ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْفَخِذِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالصُّلْبِ وَنَحْوِهِ) كَعَظْمِ الصَّدْرِ (فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الدِّيَةُ) مَعْنَاهُ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ عَقْلُهُ الْمُقَدَّرُ فِيهِ، إمَّا الدِّيَةُ كَامِلَةً أَوْ ثُلُثُهَا أَوْ عُشْرُهَا أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلَا يَعْنِي الدِّيَةَ كَامِلَةً فِي الْجَمِيعِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا بُدَّ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ مِنْ تَأْدِيبِ الْقَاضِي لِلْجَارِحِ اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يُقْتَصَّ.

وَقَالَ ك: لَا قِصَاصَ عِنْدَنَا فِي الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْقِصَاصِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَجِيعِ الْأَدَبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ. .

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دِيَةِ النَّفْسِ وَأَجْزَائِهَا شَرَعَ يُبَيِّنُ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ فَقَالَ: (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا اعْتِرَافَ بِهِ) ك: رُوِّينَاهُ هَكَذَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَالصَّوَابُ تَنْوِينُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ دِيَةَ جِنَايَةِ خَطَأٍ إنْ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْمِلْهَا لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَوَلِيِّ الْمَقْتُولِ (وَتَحْمِلُ مِنْ جِرَاحِ) وَيُرْوَى مِنْ جُرُوحِ (الْخَطَإِ مَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِ الْجَانِي) وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ ثُلُثُ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي، وَعَلَى قَوْلِ مُقَابِلِهِ الْمُرَادُ ثُلُثُ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دُونَ الْجَانِي.

وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَانِي امْرَأَةً فَجَنَتْ عَلَى رَجُلٍ فَقَطَعَتْ لَهُ أُصْبُعَيْنِ فَعَقْلُهُمَا عِشْرُونَ بَعِيرًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَى الثَّانِي لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَحَدُّ الْعَاقِلَةِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الدِّيَةَ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ يَنْتَسِبُونَ إلَى أَبٍ

ــ

[حاشية العدوي]

بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ.

[قَوْلُهُ: وَفِي الْجِرَاحِ] أَيْ إنْ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ بَاقِي الْجَسَدِ [قَوْلُهُ: الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ] بِالْمِسَاحَةِ إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ فَيُقَاسُ الْجُرْحُ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا فَقَدْ تَكُونُ الْجِرَاحَةُ نِصْفَ عُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهِيَ جُلُّ عُضْوِ الْجَانِي أَوْ كُلُّهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ عَظُمَ عُضْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى عُضْوِ الْجَانِي فَإِنَّهُ لَا يُكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ يَسْقُطُ، وَمَفْهُومُ الْجِرَاحِ أَنَّ اللَّطْمَةَ وَالضَّرْبَةَ بِآلَةٍ لَا تَجْرَحُ وَلَمْ يَنْشَأْ عَنْهَا جُرْحٌ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا التَّأْدِيبُ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ نَتْفُ اللِّحْيَةِ أَوْ الشَّارِبِ أَوْ الْحَاجِبِ فَإِنَّ عَمْدَ هَذِهِ وَخَطَأَهَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْقِصَاصِ وَإِنَّمَا فِيهَا الْحُكُومَةُ إذَا لَمْ تَعُدْ لِهَيْئَتِهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا سِوَى الْأَدَبِ فِي الْعَمْدِ.

[قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْمَتَالِفِ] أَيْ الْجِرَاحَاتِ الْمَتَالِفِ أَيْ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا الْمَوْتُ سَرِيعًا.

[قَوْلُهُ: وَالْفَخِذِ] أَيْ وَكَسْرِ الْفَخِذِ.

[قَوْلُهُ: وَالْأُنْثَيَيْنِ] أَيْ رَضُّ الْأُنْثَيَيْنِ بِخِلَافِ قَطْعِهِمَا فَإِنَّ فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ.

[قَوْلُهُ: وَالصُّلْبِ] أَيْ الظَّهْرِ وَقَوْلُهُ: كَعَظْمِ الصَّدْرِ أَيْ أَوْ الْعُنُقِ.

[قَوْلُهُ: فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الدِّيَةُ] أَيْ فَفِي عَمْدِ ذَلِكَ الدِّيَةُ.

[قَوْلُهُ: إمَّا الدِّيَةُ كَامِلَةً] أَيْ فِي الصُّلْبِ أَيْ إذَا تَعَطَّلَ عَنْ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ أَوْ الْقِيَامِ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: أَوْ ثُلُثُهَا أَيْ كَالْمَأْمُومَةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عُشْرُهَا أَيْ احْتِمَالًا فِي الْحُكُومَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ أَوْ أَنَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَيَكُونُ نَاظِرًا لِلْمُنَقِّلَةِ.

[قَوْلُهُ: اُقْتُصَّ مِنْهُ] أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُقْتَصَّ أَيْ كَهَذِهِ الْمَسَائِلِ.

[قَوْلُهُ: فِي الْجَائِفَةِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لِلْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ. وَقَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ أَيْ فَتَأَمَّلْ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ مَعَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَجِدُهُ مُخَالِفًا لَهُ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ حَكَمَ بِالتَّأْدِيبِ مُطْلَقًا، وَمُفَادُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّأْدِيبَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقِصَاصِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْقِصَاصِ فَلَا تَأْدِيبَ وَهُوَ ظَاهِرٌ

[عَلَيَّ مِنْ تجب الدِّيَة]

[قَوْلُهُ: وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَتْلَ عَمْدٍ] سَقَطَ فِيهِ الْقِصَاصُ بِعَفْوٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ وَإِنَّمَا تَكُونُ حَالَّةً فِي مَالِ الْجَانِي.

[قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِرَافَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِرَافُ مِنْ عَدْلٍ ثِقَةٍ لَا يُتَّهَمُ فِي إغْنَاءِ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَغْرَمُهَا الْجَانِي مِنْ مَالِهِ.

[قَوْلُهُ: بِغَيْرِ تَنْوِينٍ] أَيْ مَعَ فَتْحِ فَاءِ اعْتِرَافَ وَقَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ تَنْوِينُهُ أَيْ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِعَدَمِ التَّنْوِينِ.

[قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْعَاقِلَةِ] حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْإِجْمَالِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>