للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَقِيَّةِ مَا تَرْجَمَ لَهُ، وَهُوَ النَّفَقَةُ فَقَالَ: (وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ النَّفَقَةُ) مِنْ قُوتٍ وَإِدَامٍ وَكِسْوَةٍ وَنَفَقَةٍ وَمَسْكَنٍ (إلَّا عَلَى زَوْجَتِهِ) بِالْعَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا (سَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً، أَوْ فَقِيرَةً) مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كِتَابِيَّةً حُرَّةً، أَوْ أَمَةً بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا وَأَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ مُمَكِّنَةً مِنْ الدُّخُولِ بِهَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَادَةِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ طَلَبَتْ أَمَرَا زَائِدًا عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِهَا، أَوْ طَلَبَ هُوَ أَنْقَصَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِفَقْرِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ

(وَ) لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا النَّفَقَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ إلَّا

ــ

[حاشية العدوي]

حَضَانَتِهَا، لَا نَفَقَةً وَلَا أُجْرَةَ حَضَانَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ أُمَّ الْمَحْضُونِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ، وَالْمَحْضُونُ مُوسِرٌ وَإِلَّا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ مِنْ حَيْثُ فَقْرُهَا، وَلَوْ لَمْ تَحْضُنْهُ

[بَاب النَّفَقَة]

[قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ النَّفَقَةُ] أَيْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَحْرَارِ غَيْرِ الْأَقَارِبِ لِغَيْرِ اضْطِرَارٍ أَوْ الْتِزَامٍ [قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى زَوْجَتِهِ] الَّتِي دَخَلَ بِهَا، وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَرِيضَةً، وَلَوْ مُشْرِفَةً أَوْ الَّتِي دَعَتْهُ لِلدُّخُولِ بِهَا، وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِوَطْئِهِ مَعَ بُلُوغِهِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا] وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا تَجِبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَالِغَةً رَشِيدَةً فَقَدْ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ فَقَدْ سَلَّطَهُ وَلِيُّهَا عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُطِيقَةً] هَذَا شَرْطٌ فِي الَّتِي دَعَتْهُ لِلدُّخُولِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا.

[قَوْلُهُ: مُمَكِّنَةً] أَيْ فَإِذَا أَطَاقَتْهُ لَكِنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ الدُّعَاءِ لِلدُّخُولِ فَإِذَا لَمْ تَدْعُهُ فَلَا نَفَقَةَ [قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِالْعَادَةِ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِوُسْعِهِ وَحَالِهَا إنْ سَاوَاهَا حَالُهُ فَإِذَا زَادَ حَالُهَا اُعْتُبِرَ وُسْعُهُ فَقَطْ، فَإِنْ نَقَصَتْ حَالَتُهَا عَنْ حَالَتِهِ، وَعَنْ وُسْعِهِ اُعْتُبِرَ وُسْعُهُ مُتَوَسِّطًا لَا حَالُهَا فَقَطْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِهَا الْمُرَادُ بِهِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ لَهَا وَعَادَةُ أَمْثَالِهِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَجِيءُ عَلَى ذِكْرِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تُزَادُ مَا تَقْوَى بِهِ إلَّا الْمَرِيضَةَ وَقَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا تَأْكُلُ إلَّا الْمُقَدَّرَ لَهَا شَيْءٌ، عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهُ فَيَلْزَمُ الْمُقَدِّرَ وَلَا يَلْزَمُ الْحَرِيرَ وَلَا ثِيَابَ الْمُخْرِجِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا] أَيْ عَنْ النَّفَقَةِ مِنْ كَامِلِ الْقُوتِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ دَخَنٍ أَوْ ذُرَةٍ مَأْدُومٍ أَوْ غَيْرِ مَأْدُومٍ، وَالْكِسْوَةُ، وَلَوْ مِنْ غَلِيظِ الْكَتَّانِ فَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا، وَلَوْ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ.

وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا عَجَزَ مِنْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلَةِ، لِمَنْ يُرِيدُ سَفَرًا دُونَ الْمَاضِيَةِ وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَشَكَتْ ضَرَرَ ذَلِكَ وَأَثْبَت الزَّوْجِيَّةَ، وَلَوْ بِالشُّهْرَةِ أَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ فَيُفْصَلُ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوْجِ ثَابِتَ الْعُسْرِ، فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتَ الْعُسْرِ مَعَ ادِّعَاءِ الْعُسْرِ فَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ فِي الْأُولَى أَوْ أَنْفَقَ أَوْ طَلَّقَ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِلَا تَلَوُّمٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَبَعْدَ التَّلَوُّمِ فِي الْأُولَى بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ يُرْتَجَى لَهُ أَمْ لَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا زَمَنَ التَّلَوُّمِ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِالْمَقَامِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّلَوُّمِ ثَانِيًا، وَإِذَا مَرِضَ أَوْ سُجِنَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ التَّلَوُّمِ فَإِنَّهُ يُزَادُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يُرْتَجَى لَهُ بِشَيْءٍ، وَهَذَا إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ مِنْ الْمَرَضِ وَخَلَاصُهُ مِنْ السَّجْنِ عَنْ قُرْبٍ، وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ.

وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَعَدَمِ الْوِجْدَانِ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَيَجْرِي فِيهِ قَوْلُنَا، وَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ وَلَا فَرْقَ فِي الَّذِي ثَبَتَ عُسْرُهُ وَتُلُوِّمَ لَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَمَعْنَى ثُبُوتِ الْعُسْرِ فِي الْغَائِبِ عَدَمُ وُجُودِ مَا يُقَابِلُ النَّفَقَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَالتَّلَوُّمُ لِلْغَائِبِ مَحِلُّهُ حَيْثُ لَمْ تُعْلَمْ غَيْبَتُهُ أَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَأَمَّا إنْ قَرُبَتْ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ إلَيْهِ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولُ يَقُومُونَ مَقَامَ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ، وَفِي كُلِّ أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ عَدْلٍ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْمَلَاءِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ، وَالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ عَلَى قَوْلٍ وَيُسْجَنُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا عَلَى آخَرَ فَإِنْ سُجِنَ وَلَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ كَمَا أَنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ بِلَا تَلَوُّمٍ إنْ لَمْ يَجِبْ الْحَاكِمُ بِشَيْءٍ حِينَ رَفَعَتْهُ [قَوْلُهُ: وَعَجْزِهِ] عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ أَيْ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>