سَحْنُونَ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ مَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ لَيْلًا فَقَدْ نَوَاهُ بِغَيْرِ شَرْطِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَرَأَى فِي الْمَشْهُورِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْإِعْمَالُ دُونَ الْإِهْمَالِ.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أُمُورٍ مُفْسِدَاتٍ لِلِاعْتِكَافِ فَقَالَ: (وَمَنْ أَفْطَرَ فِيهِ) أَيْ فِي اعْتِكَافِهِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ (مُتَعَمِّدًا فَلْيَبْتَدِئْ اعْتِكَافَهُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
(وَكَذَلِكَ) يَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ (مَنْ جَامَعَ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا أَوْ مُتَعَمِّدًا) زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَمَسَ.
ج: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَذَّةٌ وَقَيَّدَهَا أَبُو الْحَسَنِ بِقَوْلِهِ: يُرِيدُ إذَا وَجَدَ لَذَّةً أَوْ قَصَدَهَا وَلَمْ يَجِدْهَا.
(وَإِنْ مَرِضَ) الْمُعْتَكِفُ مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ الصَّوْمِ خَاصَّةً دُونَ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ (خَرَجَ) مِنْهُ (إلَى بَيْتِهِ فَإِذَا صَحَّ) مِنْ مَرَضِهِ رَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ (وَيَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الِاعْتِكَافِ (وَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ (إنْ حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ) أَوْ نَفِسَتْ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ وَتَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَحُرْمَةُ الِاعْتِكَافِ) مُسْتَمِرَّةٌ (عَلَيْهِمَا) فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَفْعَلَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ مَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ غَيْرَ الصَّوْمِ، وَقَوْلُهُ: (فِي الْمَرَضِ) عَائِدٌ عَلَى الْمَرِيضِ، وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى الْحَائِضِ فِي الْحَيْضِ) عَائِدٌ عَلَى الْحَيْضِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّكْرَارِ.
(فَإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ) بِمَعْنَى أَنَّهَا رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ وَاغْتَسَلَتْ (أَوْ أَفَاقَ الْمَرِيضُ) مِنْ مَرَضِهِ سَوَاءٌ حَصَلَ لَهُمَا ذَلِكَ (فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ رَجَعَا) وَفِي
ــ
[حاشية العدوي]
يَنْوِيَ الْجَوَازَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ.
[قَوْلُهُ: وَرَأَى فِي الْمَشْهُورِ] أَيْ فِي سَنَدِهِ بِمَعْنَى ظَهَرَ لَهُ سَنَدُهُ أَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ.
[مُفْسِدَات الِاعْتِكَافِ]
[قَوْلُهُ: بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ] إنَّمَا قَيَّدَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ احْتِرَازًا مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَعَمْدُهَا وَسَهْوُهَا سَوَاءٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ إلَخْ] وَمِثْلُ الْفِطْرِ نَاسِيًا الْمَرَضُ وَالْحَيْضُ، أَيْ فَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ مَرِضَ أَوْ حَاضَتْ فَلَا يَبْتَدِئُهُ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ وَيَقْضِيه بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْفِطْرُ وَاصِلًا لَهُ بِاعْتِكَافِهِ حَيْثُ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضًا بِحَسْبِ الْأَصْلِ كَرَمَضَانَ أَوْ مَنْذُورًا وَلَوْ مُعَيَّنًا، فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْبِنَاءِ فَنَسِيَ ابْتِدَاءً اعْتِكَافَهُ وَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي، وَأَنْ لَوْ كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ تَطَوُّعًا فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ نِسْيَانًا فَكَذَلِكَ يَقْضِيه لِمَا مَعَهُ مِنْ التَّفْرِيطِ وَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ.
[قَوْلُهُ: مَنْ جَامَعَ] قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: فَإِنْ وَطِئَ لَيْلًا بَطَلَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ مُطِيقَةٍ هُنَا، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَدْنَاهُ أَنْ يَكُونَ كَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّمْسِ.
[قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهَا أَبُو الْحَسَنِ إلَخْ] قَيْدُ أَبِي الْحَسَنِ مُعْتَمَدٌ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَلْمُوسُ أَوْ الْمُقَبَّلُ مِمَّنْ يُسْتَلَذُّ بِهِ عَادَةً، لَا إنْ قَبَّلَ مَنْ لَا تُشْتَهَى أَوْ لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ لَذَّةً، وَوَطْءُ الْمُكْرَهَةِ وَالنَّائِمَةُ كَغَيْرِهِمَا فِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِمَا بِخِلَافِ الِاحْتِلَامِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ مَرِضَ الْمُعْتَكِفُ مَرَضًا] أَيْ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْهُ إلَى بَيْتِهِ] أَيْ وُجُوبًا مَعَ الْمَرَضِ الْمَانِعِ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَجَوَازًا مَعَ الْمَانِعِ مِنْ الصَّوْمِ فَقَطْ.
وَفِي الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ.
[قَوْلُهُ: وَيَبْنِي إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ فِي كَلَامِهِ الْإِتْيَانُ بِبَدَلِ مَا فَاتَ بِالْعُذْرِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ بِأَنْ كَانَتْ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً وَفَاتَتْ أَوْ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ بِأَنْ كَانَتْ الْأَيَّامُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ مَضْمُومَةً.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَخْرُجُ] أَيْ وُجُوبًا وَتَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
[قَوْلُهُ: غَيْرَ الصَّوْمِ] لَعَلَّ الصَّوَابَ إلَّا الْفِطْرَ.
[قَوْلُهُ: لِيَسْلَمَ مِنْ التَّكْرَارِ] أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَعَلَى الْحَائِضِ مُكَرَّرٌ بِاعْتِبَارِ دُخُولِهَا فِي عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا تَكْرَارَ بِأَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِمَا لِلْمَرِيضِ وَالْمَرِيضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمَرِيضَةِ ذِكْرٌ اهـ.
[قَوْلُهُ: رَجَعَا إلَخْ] أَيْ وُجُوبًا، وَلَا تَكْرَارَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إعَادَتِهِ ثَانِيًا الْإِشَارَةُ إلَى وُجُوبِ رُجُوعِهِ سَرِيعًا إلَى الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ قَوْلِهِ: أَوَّلًا إذَا صَحَّ بِنَاءُ وُجُوبِ الرُّجُوعِ سُرْعَةً فَنَبَّهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا.
[قَوْلُهُ: أَيْ