وَهِيَ قِسْمَانِ: فَيْءٌ وَسَيَأْتِي وَغَنِيمَةٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ، بِقَوْلِهِ (وَمَا غَنَمَ الْمُسْلِمُونَ) مِنْ الْعَدُوِّ (بِإِيجَافٍ) أَيْ تَعَبٍ وَحَمَلَاتٍ فِي الْحَرْبِ (فَلْيَأْخُذْ الْإِمَامُ خُمُسَهُ) يَضَعُهُ إنْ شَاءَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شِرَاءِ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَرَاهُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ فَيَدْفَعُهُ لِآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِهِمْ أَوْ يَجْعَلُ بَعْضَهُ فِيهِمْ وَبَقِيَّتَهُ فِي غَيْرِهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الَّذِي غَنِمُوهُ غَيْرَ أَرْضٍ مِنْ كُرَاعٍ وَقُمَاشٍ وَعَبِيدٍ، وَمَالٍ وَحِنْطَةٍ.
وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَا تُخَمَّسُ وَلَا تُقْسَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ تُوقَفُ وَيُصْرَفُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (وَ) بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ خُمُسَ الْمَغْنَمِ (يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ) الْبَاقِيَةَ (بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ) الْمُجَاهِدِينَ بِشُرُوطٍ تَأْتِي (وَقَسْمُ ذَلِكَ) أَيْ مَا غَنِمَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
فَلَا يَجُوزُ تَأْمِينُهُمَا.
[الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدُوِّ]
[قَوْلُهُ: بِإِيجَافٍ] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا حَقِيقَةً وَاضِحٌ، وَحُكْمًا كَمَا إذَا نَزَلَ الْجَيْشُ بَلَدَ الْعَدُوِّ فَهَرَبُوا مِنْهُ فَأَخَذَ مَالَهُمْ، فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ، هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَمَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْجَيْشِ فَيْءٌ، وَكَذَا مَا كَانَ بَعْدَ خُرُوجِ الْجَيْشِ وَقَبْلَ نُزُولِهِ بَلَدَ الْعَدُوِّ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِإِيجَافٍ. [قَوْلُهُ: وَحَمَلَاتٍ] جَمْعُ حَمْلَةٍ: وَهِيَ الْكَرَّةُ فِي الْحَرْبِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: فَلْيَأْخُذْ الْإِمَامُ خُمُسَهُ] هَذَا مِنْ الْجِهَاتِ السَّبْعَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا بَيْتُ الْمَالِ، وَمِنْهَا الْجِزْيَةُ وَالْفَيْءُ وَالْمَالُ الْمَوْرُوثُ وَالْمَالُ الضَّالُّ صَاحِبُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَجْهُولُ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ:
جِهَاتُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ سَبْعَتُهَا ... فِي بَيْتِ شِعْرٍ حَوَاهَا فِيهِ كَاتِبُهُ
خُمْسٌ وَفَيْءٌ خَرَاجٌ جِزْيَةٌ عُشُرٌ ... وَإِرْثُ فَرْضٍ وَمَالٌ ضَلَّ صَاحِبُهُ
أَيْ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ. اهـ.
فَيُبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِآلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَدْبًا ثُمَّ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ، أَيْ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْغَزْوِ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ. [قَوْلُهُ: يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ] هَذَا التَّفْصِيلُ بِذَاتِهِ فِي ابْنِ نَاجِي. [قَوْلُهُ: مِمَّا يَرَاهُ مَصْلَحَةً إلَخْ] أَيْ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ فَيَدْفَعُهُ لِآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -] قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ، فَصَحَّ كَوْنُ الدَّفْعِ لِآلِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْقِسْمَةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَدْفَعُهُ كُلَّهُ لِآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، إذَا كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ بِتَمَامِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِهِمْ أَيْ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَ الْغَيْرِ كَالْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ كُرَاعٍ] بِوَزْنِ غُرَابٍ الْخَيْلُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: فَلَا تُخَمَّسُ وَلَا تُقْسَمُ إلَخْ] وَقِيلَ يَتَحَتَّمُ قَسْمُهَا، وَقِيلَ يَقْسِمُهَا إنْ رَأَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بَلْ تُوقَفُ] أَيْ أَنَّهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا تَصِيرُ وَقْفًا وَلَا تَحْتَاجُ لِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَقَصْدُهُ الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوَاتٍ أَيْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ، وَكَذَا الدُّورُ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ فَتَصِيرُ وَقْفًا كَأَرْضِهَا، وَلَكِنْ لَا يُؤْخَذُ لِلدُّورِ كِرَاءٌ فَلَيْسَتْ كَأَرْضِ الزِّرَاعَةِ فَإِذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَهَا، فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا، وَلَوْ قُسِمَتْ الْأَرْضُ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا تُوقَفُ فَيَمْضِي حَيْثُ قَسَمَهَا مَنْ يَرَى قَسْمَهَا، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً كَمِصْرِ.
[قَوْلُهُ: يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ الْبَاقِيَةِ] وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِيَقْسِمَ أَثْمَانَهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْمُسَاوَاةِ لِمَا يَدْخُلُ التَّقْوِيمَ مِنْ الْخَطَأِ. إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِي فَيَقْسِمُ الْأَعْيَانَ أَوْ لَا يَجِبُ الْبَيْعُ بَلْ يُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَ بَاعَ وَقَسَمَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَ الْأَعْيَانَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ. قَوْلَانِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ، بِأَنَّ بَيْعَهَا بِبَلَدِ الْحَرْبِ ضَيَاعٌ لِرُخْصِهَا هُنَاكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ رُخْصَهَا يَرْجِعُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُشْتَرُونَ، وَهُمْ أَحَقُّ بِرُخْصِهَا، وَهُمَا جَارِيَانِ فِي الْخُمُسِ أَيْضًا، وَعَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقْسِمُ سِلَعَ الْغَنِيمَةِ لَا أَثْمَانَهَا، فَيَقْسِمُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ سِلَعِ الْغَنِيمَةِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، حِسًّا بِاتِّسَاعِ الْغَنِيمَةِ وَشَرْعًا بِأَنْ لَا يُؤَدِّيَ لِتَفْرِيقِ أُمٍّ مِنْ وَلَدِهَا وَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يُمْكِنُ قَسْمُهُ وَصِنْفَانِ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ، هَلْ يَجِبُ ضَمُّهُمَا وَلَا يُضَمَّانِ لِمَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ أَوَّلًا وَاسْتَظْهَرَ الْأَوَّلَ.
[قَوْلُهُ: بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute