للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمُونَ (بِبَلَدِ الْحَرْبِ أَوْلَى) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ نِكَايَةً لِلْعَدُوِّ، وَهَذَا إذَا أَمِنُوا كَرَّ الْعَدُوِّ، وَكَانَ الْغَانِمُونَ جَيْشًا، أَمَّا إنْ كَانُوا سَرِيَّةً مِنْ الْجَيْشِ فَلَا يَقْسِمُوا حَتَّى يَعُودُوا إلَى الْجَيْشِ (وَإِنَّمَا يُخَمَّسُ وَيُقْسَمُ مَا أُوجِفَ) أَيْ حُمِلَ (عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَ) بِ (الرِّكَابِ) أَيْ الْإِبِلِ (وَمَا غُنِمَ بِقِتَالٍ) .

فَأَمَّا مَا أُخِذَ بِغَيْرِ إيجَافٍ وَلَا قِتَالٍ فَهُوَ الْفَيْءُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقْسَمُ بَلْ النَّظَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ مِثْلُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ إنْ شَاءَ صَرَفَ جَمِيعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَنِيمَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُخَمَّسُ وَيُقْسَمُ كُلُّ مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرْضًا أَوْ أُسَارَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَمَّا الْأَرْضُ فَالْمَشْهُورُ فِيهَا مَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا الْأُسَارَى فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي الرِّجَالِ بَيْنَ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْجِزْيَةِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ.

(وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى وَيُبَاحُ (أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الطَّعَامُ وَالْعَلَفُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ) سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا،

ــ

[حاشية العدوي]

أَهْلِ الْجَيْشِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ أَهْلٍ هُمْ الْجَيْشُ. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] لَا يَخْفَى أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنْتِجُ خُصُوصَ الِاسْتِحْبَابِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، أَيْ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَطْيِيبَ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ فِيهِ مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ وَزِيَادَةِ الْحِفْظِ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ مُيِّزَ نَصِيبُهُ يَشْتَدُّ حِرْصُهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهِ نِكَايَةً] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِفِعْلِهِ إلَخْ. حَاصِلُهُ أَنَّ فِعْلَهُ فِي ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الِالْتِفَاتِ لِحُكْمِهِ مُفِيدٌ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا ادَّعَى، وَكَوْنُهُ فِيهِ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ عِلَّةٌ أُخْرَى مُقْتَضِيَةٌ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّلَ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِهِ فِيهِ نِكَايَةٌ، وَقَوْلُهُ لِلْعَدُوِّ الْمُنَاسِبُ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ لِقَوْلِ الْمِصْبَاحِ نَكَأْت فِي الْعَدُوِّ، وَقَوْلُهُ كَرَّ الْعَدُوِّ أَيْ رُجُوعِ الْعَدُوِّ، وَقَوْلُهُ سَرِيَّةٌ السَّرِيَّةُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْجَيْشِ، فَفَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي خِفْيَةٍ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَسَكَتَ عَنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

تَنْبِيهٌ: نَصَّ ابْنُ فَرْحُونِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ عِنْدَ الْقَاسِمِ إذْ لَوْ فَوَّضَ ذَلِكَ لَهُمْ، لَدَخَلَهُمْ الطَّمَعُ، وَأَحَبَّ كُلٌّ لِنَفْسِهِ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ مَا يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مُؤَدٍّ لِلْفِتَنِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُخَمَّسُ] أَيْ يُجْعَلُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَقَوْلُهُ وَيَقْسِمُ أَيْ كُلٌّ مِنْهَا وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا غَنَمَ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَيْ الْإِبِلِ] ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاحِدُ الرِّكَابِ رَاحِلَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا [قَوْلُهُ: وَمَا غُنِمَ بِقِتَالٍ] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ [قَوْلُهُ: فَأَمَّا مَا غُنِمَ بِغَيْرِ إيجَافٍ وَلَا قِتَالٍ] أَيْ بِأَنْ انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ.

قَالَ تت: كَالْمَأْخُوذِ مِمَّنْ انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ حِينَ سَمَاعِهِمْ بِخُرُوجِ الْجَيْشِ إلَيْهِمْ [قَوْلُهُ: فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ] كَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَنِيمَةِ] أَيْ فَيَدْفَعُهُ إمَّا لِآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِهِمْ، أَوْ يَجْعَلُ الْبَعْضَ فِيهِمْ وَالْبَعْضَ فِي غَيْرِهِمْ، بَقِيَ مَا يَهْرُبُ بِهِ الْأَسِيرُ أَوْ التَّاجِرُ أَوْ يَأْخُذُهُ الْمُتَلَصِّصُ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُخْتَصِّ فَيَخْتَصُّ بِهِ حَائِزُهُ وَلَا يُقْسَمُ وَلَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لَكِنَّ الْمُسْلِمَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يُخْرَجُ خُمُسُهُ، وَأَمَّا الذِّمِّيَّ فَلَا. [قَوْلُهُ: وَالْمَنِّ] أَيْ يَعْتِقُهُمْ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا. [قَوْلُهُ: وَالْفِدَاءُ] أَيْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ.

[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى وَيُبَاحُ] أَيْ فَاسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ فِيمَا فَعَلَهُ، وَتَرَكَهُ سَوَاءٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ، وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ الْغَنِيمَةِ] هَذَا إذَا كَانُوا مِمَّنْ يُقْسَمُ لَهُمْ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُقْسَمُ لَهُمْ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ فَقَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ إلَخْ] رُوِيَ قَوْلُهُ أَنْ تُقْسَمَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَلَا إشْكَالَ فِيهَا، وَبِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الْمُثَنَّاةِ رِعَايَةً لِلْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَالِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْمَالُ. [قَوْلُهُ: الطَّعَامُ وَالْعَلَفُ] نَائِبُ فَاعِلِ يُؤْكَلَ وَالْعَلَفُ جَمْعُهُ عِلَافٌ، كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ.

قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَيْ تِلْكَ الْإِبَاحَةُ كَائِنَةٌ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>