للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمًا أَوْ غَيْرَهُ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْأَنْعَامُ الْحَيَّةُ لِلذَّبْحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ يُرَدُّ الْجِلْدُ لِلْغَنِيمَةِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا قَالَ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ.

وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْمَغْنَمِ يَقْسِمُهَا الْإِمَامُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ، وَكَانَ لَا يَسْتَحِقُّهَا مِنْهُمْ إلَّا مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا. فَقَالَ: (وَإِنَّمَا يُسْهَمُ لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ) الْمُرَادُ بِالْحُضُورِ حُضُورُ الْمُنَاشَبَةِ لَا حُضُورُ الْمُوَاجِهَةِ، فَإِذَا قَامَتْ الصُّفُوفُ وَلَمْ يَتَنَاشَبْ الْقِتَالُ فَلَا يُسْهَمُ لِمَنْ مَاتَ حِينَئِذٍ، وَيُسْهَمُ لِمَنْ مَاتَ بَعْدَ انْتِشَابِ الْقِتَالِ. (أَوْ تَخَلَّفَ عَنْ الْقِتَالِ فِي شُغْلِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْرِ جِهَادِهِمْ) كَكَشْفِ طَرِيقٍ أَوْ جَلْبِ عَدَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُسْهَمُ لِمَنْ ضَلَّ عَنْ الْجَيْشِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ بِخِلَافِ مَنْ ضَلَّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ.

(وَ) كَذَلِكَ (يُسْهَمُ لِلْمَرِيضِ) إذَا حَصَلَ لَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْقِتَالِ أَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمَّا لَوْ حَصَلَ لَهُ قَبْلَ حُضُورِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ كَانَ ابْتِدَاءُ مَرَضِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ (وَ) كَذَلِكَ يُسْهَمُ (لِلْفَرَسِ الرَّهِيصِ) إذَا حَصَلَ لَهُ الرَّهْصُ بَعْدَ الْقِتَالِ أَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْفَرَسَ فِي حَافِرِهِ ع لَيْسَ الرَّهْصُ بِشَرْطٍ، وَكَذَا إذَا مَرِضَ

ــ

[حاشية العدوي]

ذَلِكَ وَمُطْلَقُ الِاحْتِيَاجِ كَافٍ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ نَعْلٍ وَحِزَامٍ مُعْتَادٍ لَا مِثْلَ حِزَامِ الْمُلُوكِ، وَإِبْرَةٍ وَمُصْلِحِ الطَّعَامِ مِنْ نَحْوِ فُلْفُلٍ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ وَغِرَارَةً لِطَعَامِهِ أَوْ حَمْلِ مَتَاعِهِ وَسِلَاحًا وَدَابَّةً لِلْقَتْلِ أَوْ لِيَرْكَبَهَا لِبَلْدَةٍ، بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ أَخْذِ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّهُ لِلْغَنِيمَةِ إذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَبِلَا نِيَّةٍ أَصْلًا كَنِيَّةِ الرَّدِّ، وَإِذَا فَضَلَ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِمَّا أُبِيحَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الرَّدُّ، وَهُوَ مَا عَدَا الثَّوْبَ وَالسِّلَاحَ وَالدَّابَّةَ وَهُوَ كَمَا فِي عج: مَا زَادَ عَلَى كَالدِّرْهَمِ.

قَالَ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا يَوْمَ وُجُوبِ رَدِّهِ لَا يَوْمَ أَخْذِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ إنْ أَمْكَنَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ؛ لِتَفَرُّقِ الْجَيْشِ تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَالٍ جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَأَوْلَى رَدُّ مَا فَضَلَ مِمَّا يَأْخُذُهُ، بِنِيَّةِ الرَّدِّ كَالثَّوْبِ، وَقَوْلُنَا كَثِيرًا احْتِرَازًا مِنْ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ مِمَّا قِيمَتُهُ الدِّرْهَمُ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهُ وَلَا يَرُدُّهُ لِلْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا] بَلْ وَلَوْ نَهَاهُمْ الْإِمَامُ وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ، بِأَنْ لَا يَأْخُذَهُ بِنِيَّةِ الْغُلُولِ. [قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِهِ الْأَنْعَامُ الْحَيَّةُ لِلذَّبْحِ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ الْمَأْخُوذَةُ لِلذَّبْحِ، قَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ مُقَابِلًا يَقُولُ بِعَدَمِ الْأَخْذِ، وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ الْقَوْلَ الْآخَرَ أَيْ بِالْمَنْعِ لَمْ أَرَهُ مَعْزُوًّا.

[قَوْلُهُ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا] أَيْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ مَا فِي الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْفَوَاكِهَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالسَّمْنَ.

[قَوْلُهُ: حُضُورُ الْمُنَاشَبَةِ] الْمُرَادُ الْمُضَارَبَةُ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: فَلَا يُسْهَمُ لِمَنْ مَاتَ حِينَئِذٍ] وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَيِّتِ قَبْلَ اللِّقَاءِ وَالضَّالِّ، مِنْ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ أَنَّ الضَّالَّ بِنِيَّةِ الْغَزْوِ وَاسْتَمَرَّتْ إلَى الْآنَ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ نِيَّتَهُ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ. [قَوْلُهُ: كَكَشْفِ طَرِيقٍ] أَيْ يَنْظُرُ هَلْ الطَّرِيقُ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ كَذَا فِيهَا عَدُوٌّ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ ضَلَّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ] هَذَا بِخِلَافِ الْمَذْهَبِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِمَنْ ضَلَّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا مَنْ رُدَّ لَهَا بِرِيحٍ، فَإِنْ رُدَّ اخْتِيَارًا فَلَا يُسْهَمُ لَهُ [قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَ لَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْقِتَالِ أَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ] فَشَهِدَ أَوَّلَهُ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ وَاسْتَمَرَّ يُقَاتِلُ مَرِيضًا إلَى تَمَامِ الْقِتَالِ، هَكَذَا حَمَلَ الْحَطَّابُ كَلَامَ خَلِيلٍ أَيْ أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ، مَا إذَا مَرِضَ بَعْدَ الْقِتَالِ أَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَيْ شَهِدَ أَوَّلَهُ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ وَاسْتَمَرَّ يُقَاتِلُ مَرِيضًا أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ.

وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مَرِيضًا أَوْ مَرِضَ قَبْلَ دُخُولِ أَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقِتَالِ وَلَوْ يَسِيرًا، وَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا فِي الثَّلَاثَ لَكِنَّهُ قَاتَلَ فِيهَا حَتَّى انْقَضَى الْقِتَالُ، فَقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي الْإِسْهَامِ نَظَرًا إلَى كَوْنِهِ قَاتَلَ فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَمِهِ نَظَرًا إلَى مَرَضِهِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَعَدَمِهِ، هَذَا مَا يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ وَهُنَاكَ كَلَامٌ آخَرُ اُنْظُرْهُ فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَ لَهُ الرَّهْصُ إلَخْ] قَالَ عج: وَيَجْرِي فِي مَرَضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>