بِغَيْرِهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْهَمُ لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَكَانَ الَّذِي يَحْضُرُهُ آدَمِيٌّ وَغَيْرُهُ.
شَرَعَ يُبَيِّنُ الْقَدْرَ الَّذِي يُسْهَمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. فَقَالَ (وَيُسْهَمُ لِلْفَرَسِ) الْوَاحِدِ (سَهْمَانِ) وَاحْتَرَزَ بِالْفَرَسِ عَنْ الْبَعِيرِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهَا وَقَيَّدْنَا بِالْوَاحِدِ احْتِرَازًا مِمَّا زَادَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلزَّائِدِ (وَ) يُسْهَمُ (سَهْمٌ) وَاحِدٌ (لِرَاكِبِهِ) فِي كَلَامِهِ، تَسَامُحٌ فَإِنَّ الرَّاكِبَ إنَّمَا يُقَالُ لِرَاكِبِ الْإِبِلِ، وَأَمَّا رَاكِبُ الْفَرَسِ فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ فَارِسٌ، وَلِرَاكِبِ الْحِمَارِ حَمَّارٌ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا» .
(وَ) مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْقَسْمُ الْحُرِّيَّةُ فَ (لَا يُسْهَمُ لِعَبْدٍ) قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ (وَ) مِنْهَا الذُّكُورِيَّةُ فَ (لَا) يُسْهَمُ (لِامْرَأَةٍ) قَاتَلَتْ أَوْ لَمْ تُقَاتِلْ (وَ) مِنْهَا الْبُلُوغُ فَ (لَا) يُسْهَمُ (لِصَبِيٍّ إلَّا) بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ (أَنْ يُطِيقَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ الْقِتَالَ وَيُجِيزَهُ الْإِمَامُ وَيُقَاتِلَ فَيُسْهَمَ لَهُ) وَاَلَّذِي نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَمُقْتَضَى صَنِيعِ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَشْهُورٌ أَيْضًا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُسْهِمْ لِلْعَبِيدِ وَلَا لِلنِّسَاءِ وَلَا لِلصِّبْيَانِ» (وَ) مِنْهَا أَنْ يَخْرُجَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ فَ (لَا) يُسْهَمُ (لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ) الَّذِي مُلِكَتْ مَنَافِعُهُ كَأَجِيرِ الْخِدْمَةِ (إلَّا أَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
الْفَرَسِ، مَا يَجْرِي فِي مَرَضِ الْآدَمِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ.
[قَوْلُهُ: وَيُسْهَمُ لِلْفَرَسِ] أَيْ الَّذِي يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ، فَالْعَجُوزُ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ سَهْمَانِ أَيْ يُسْهَمُ لَهُ سَهْمَانِ وَلَوْ كَانَتْ فِي السَّفِينَةِ وَلِصَاحِبِهَا سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَتْ الْفَرَسُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَجَعْلُ السَّهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْفَارِسُ عَبْدًا، فَيَكُونَانِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ أَحَدُ التَّرَدُّدَيْنِ، وَالْآخَرُ هُمَا لِلْفَارِسِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْفَرَسِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَلَوْ بِرْذَوْنًا وَهَجِينًا وَالْبِرْذَوْنُ هُوَ: الدَّابَّةُ مِنْ الْخَيْلِ الْغَلِيظَةِ الْأَعْضَاءِ الْجَافِيَةِ الْخِلْقَةِ، وَأَكْثَرُ مَا تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَلَهَا جَلَدٌ عَلَى السَّيْرِ فِي الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ وَالْوَعْرِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ أَضْمَرُ، وَأَرَقُّ أَعْضَاءً وَالْهَجِينُ مِنْ الْخَيْلِ مَنْ أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ رَدِيئَةٌ وَعَكْسُهُ مُقْرِفٌ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَيَّدُ الْإِسْهَامُ لِلْفَرَسِ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ بِمَا إذَا احْتَمَلَ قِتَالُهُمْ بِبَرٍّ، وَلَوْ بِبَعْضِ مَكَان أَوْ عَامٍّ كَمُسَافِرٍ لِمَالِطَةَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِعَدَمِ مُقَاتَلَتِهِمْ بِبَرٍّ، أَصْلًا كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَاكِبُهُ غَيْرُ قَيْدٍ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِرَاكِبِهَا مَنْ أَعَدَّهَا لِلرُّكُوبِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الْخُرُوجِ لِلْبَرِّ.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا كَانَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ لِخِدْمَتِهَا وَعَلْفِهَا، وَبِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مِنْ الْغَنَاءِ فِي الْحَرْبِ مَا لَا يَخْفَى. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الرَّاكِبَ إنَّمَا يُقَالُ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: ٨] الْآيَةَ. يُعَارِضُ هَذَا قُلْنَا لَعَلَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ عَلَى عُرْفِ اللُّغَةِ، وَمَا هُنَا عَلَى مُصْطَلَحِ الْفُقَهَاءِ، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا، أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَنْ يَرْكَبُ مَا ذُكِرَ فِيهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا ذِكْرُ الْفِعْلِ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يُطِيقَ الْقِتَالَ] أَيْ بِأَنْ رَاهَقَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُرَاهِقْ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ بِاتِّفَاقٍ، كَمَا يُفِيدُهُ الْفَاكِهَانِيُّ أَيْ فَقِتَالُهُ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فَكَالْعَدِمِ.
[قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى صَنِيعِ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إلَّا الصَّبِيَّ فَفِيهِ إنْ أُجِيزَ وَقَاتَلَ خِلَافٌ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ] فَإِنْ قُلْت لِمَ عَبَّرَ بِظَاهِرٍ دُونَ صَرِيحٍ، قُلْت لَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا. [قَوْلُهُ: يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ] أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الْإِسْهَامِ فَهُوَ أَوَّلٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ وَمُقْتَضَى إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ] وَمِثْلُ الْأَجِيرِ التَّاجِرُ، إذَا قَاتَلَ كَانَتْ تِجَارَتُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْجَيْشِ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ أَمْ لَا، وَمِثْلُ قِتَالِهِمَا مَا إذَا خَرَجَا بِنِيَّةِ الْغَزْوِ وَحَضَرَا الْقِتَالَ، وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلَا؛ لِأَنَّهُمَا كَثَّرَا سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ نِيَّةُ الْغَزْوِ تَابِعَةً أَوْ مَتْبُوعَةً أَوْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَالسَّهْمُ لِلْأَجِيرِ وَيُحَطُّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute