[بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]
(بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ) وَذَكَرَ فِي الْبَابِ أَشْيَاءَ لَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا كَالصُّلْحِ وَالْفَلَسِ وَالْقِسْمَةِ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ كُلًّا فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا الْأَقْضِيَةُ فَجَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ وَهُوَ لُغَةً الْحُكْمُ وَاصْطِلَاحًا لَهُ سَبْعُ مَعَانٍ تَرْجِعُ إلَى انْقِضَاءِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: ٥٣] أَيْ لَفُصِلَ، وَمِنْهُ قَضَى الْقَاضِي فَصَلَ الْحُكُومَةَ وَالْقَضَاءُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ. ابْنُ شَاسٍ: وَالْحُكْمُ بِالْعَدْلِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَكِنَّ خَطَرَهُ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: ١٥] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ وَأَبْغَضَ النَّاسِ إلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَ
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ] [الأقضية وَأَحْكَامهَا]
ِ [قَالُوا: وَذَكَرَ فِي الْبَابِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مَعِيبٍ بَلْ حَسَنٌ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَقْضِيَةُ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَجَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ، وَأَصْلُ قَضَاءٍ قَضَايَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت وَالْهَمْزَةُ تُبْدَلُ مِنْ الْيَاءِ وَالْوَاوِ الْوَاقِعَتَيْنِ بَعْدَ الْأَلِفِ كَسَمَاءٍ وَبِنَاءٍ وَجُمِعَ عَلَى أَقْضِيَةٍ، وَمِثْلُ قَضَاءٍ قَضِيَّةٌ إلَّا أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَى قَضَايَا كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةِ فِي اللُّغَةِ الْحُكْمُ عَلَى مَا تَبَيَّنَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْحُكْمُ] جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ فَتُفِيدُ الْحَصْرَ أَيْ حَصْرُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ عَلَى الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذِهِ السَّبْعَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا مَعَانٍ لُغَوِيَّةٌ لَا اصْطِلَاحِيَّةٌ، بَلْ أَنْهَاهَا بَعْضٌ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَقَالَ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لُغَةً بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْفَرَاغِ وَالْهَلَاكِ وَالْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ وَالْمُضِيِّ وَالصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ اهـ. بَلْ مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَضَاءُ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ.
[قَوْلُهُ: تَرْجِعُ] مِنْ رُجُوعِ الشَّيْءِ إلَى مُفَسِّرِهِ وَلَوْ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ. وَقَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
[قَوْلُهُ: وَمِنْهُ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ الَّذِي هُوَ التَّمَامُ.
[قَوْلُهُ: فَصَلَ الْحُكُومَةَ] هَكَذَا فِيمَا بِيَدِي مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَالصَّوَابُ الْخُصُومَةُ كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ] أَيْ الْحُكْمُ بِالْعَدْلِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ.
[قَوْلُهُ: مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ] أَيْ عِنْدَ تَعَدُّدِ مَنْ يَقُومُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ مَصَالِحِ أَيْ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ كَمَا إذَا انْفَرَدَ إنْسَانٌ بِشُرُوطِهِ أَوْ خَافَ فِتْنَةً عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ النَّاسِ إنْ لَمْ يَتَوَلَّ أَوْ خَافَ ضَيَاعَ الْحَقِّ عَلَى أَرْبَابِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَزْيَدَ فِقْهًا فَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ لِلْقَضَاءِ، وَإِذَا امْتَنَعَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَبُولِ أُجْبِرَ، وَإِنْ ضُرِبَ أَوْ سُجِنَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَلَا الطَّلَبُ، وَلَوْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ لِلْقَضَاءِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ وَلَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ الْحُرْمَةُ كَكَوْنِهِ جَاهِلًا أَوْ قَاصِدًا بِهِ تَحْصِيلَ الدُّنْيَا مِنْ الْأَخْصَامِ أَوْ جَائِرًا وَالِاسْتِحْبَابُ كَتَوْلِيَتِهِ لِإِشْهَارِ عِلْمِهِ، وَالْإِبَاحَةُ كَقَصْدِ الِارْتِزَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِفَقْرِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ، وَالْكَرَاهَةُ كَتَوْلِيَتِهِ لِقَصْدِ تَحْصِيلِ الْجَاهِ وَتَصْيِيرِهِ عَظِيمًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ
[قَوْلُهُ: لَكِنَّ خَطَرَهُ] أَيْ الْحُكْمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِهِ. وَقَوْلُهُ: وَأَكْبَرِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَعْظَمِ تَفْسِيرٌ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الذُّنُوبُ الصَّغَائِرُ أَوْ يُرَادُ بِأَعْظَمِ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرُ.
[قَوْلُهُ: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن: ١٥]] أَيْ الْجَائِرُونَ أَيْ وَأَمَّا الْمُقْسِطُ فَمَعْنَاهُ الْعَادِلُ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: ٤٢]