للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ مِنْ اللَّهِ رَجُلٌ وَلَّاهُ اللَّهُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ شَيْئًا فَلَمْ يَعْدِلْ فِيهِمْ» . فَالْقَضَاءُ مِحْنَةٌ مَنْ دَخَلَ فِيهِ اُبْتُلِيَ بِعَظِيمٍ وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَدْ ذُبِحَ بِسِكِّينٍ» انْتَهَى. .

وَلَهُ شُرُوطُ صِحَّةٍ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ وَالْفِطْنَةُ وَالِاجْتِهَادُ فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ مُقَلِّدٍ مَعَ وُجُودِ مُجْتَهِدٍ، وَبَدَأَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ فَقَالَ: «وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ج: هَذَا مَخْصُوصٌ عِنْدَنَا بِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: التَّدْمِيَةُ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ فِيهَا إلَى بَيِّنَةٍ. وَالثَّانِي: الْمَغْصُوبَةُ تَحْمِلُ بِبَيِّنَةٍ وَتَدَّعِي الْوَطْءَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، بَعْضُ الشُّيُوخِ الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَقُولُ: كَانَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ، وَجُعِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ جَانِبَهُ أَضْعَفُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ، وَجُعِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى جَانِبًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَدَّعِي الْأَصْلَ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» سَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ أَمْ لَا، وَالْمَشْهُورُ

ــ

[حاشية العدوي]

، وَفِي خَبَرٍ «إنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَالْقَاسِطُ ضِدُّ الْمُقْسِطِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الْقَاسِطِينَ حَطَبَ جَهَنَّمَ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ظَاهِرًا.

[قَوْلُهُ: «إنَّ أَعْتَى» إلَخْ] قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْعُتُوُّ التَّجَبُّرُ وَالتَّكَبُّرُ، وَقَدْ عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا فَهُوَ عَاتٍ.

[قَوْلُهُ: «عَلَى اللَّهِ» ] أَيْ عِنْدَ اللَّهِ أَوْ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ أَوْ أَنَّ الْمُتَجَبِّرَ عَلَيْهِمْ كَالْمُتَجَبِّرِ عَلَى اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَأَبْغَضَ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ بِصَدَدِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَقَوْلُهُ: مِحْنَةٌ: ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ. وَقَوْلُهُ: بِعَظِيمٍ أَيْ بِابْتِلَاءٍ عَظِيمٍ أَيْ بِاخْتِبَارٍ عَظِيمٍ.

[قَوْلُهُ: «فَقَدْ ذُبِحَ» ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الْكَلَامِ التَّحْذِيرُ مِنْ طَلَبِ الْقَضَاءِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ تَصَدَّى لِلْقَضَاءِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ فَلْيَحْذَرْهُ وَلْيَتَّقِهِ. وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ سِكِّينٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الذَّبْحَ إنَّمَا يَكُونُ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ بِالسِّكِّينِ فَعَدَلَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سُنَنِ الْعَادَةِ إلَى غَيْرِهَا لِيُعْلَمَ أَنَّ الَّذِي أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِ دِينِهِ دُونَ هَلَاكِ بَدَنِهِ، الْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ الذَّبْحَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ إزْهَاقُ الرُّوحِ إنَّمَا يَكُونُ بِالسِّكِّينِ فَإِنْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ كَانَ ذَبْحُهُ خَنْقًا وَتَعْذِيبًا فَضَرَبَ بِذَلِكَ الْمَثَلَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْحَذَرِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ] اعْلَمْ أَنَّ عَدَالَةَ الشَّهَادَةِ تَسْتَلْزِمُ مَا ذَكَرَهُ قَبْلُ إذْ هِيَ وَصْفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْصَافٍ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الْفِسْقِ.

[قَوْلُهُ: وَالْفِطْنَةُ] أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَفَطُّنٌ لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَخُدَعِهِمْ، وَالْفَطِنَةُ جُودَةُ الذِّهْنِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَرُدُّ بِهِ الصَّحِيحَ فَاسِدًا وَبِالْعَكْسِ.

[قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ مُقَلِّدٍ مَعَ وُجُودِ مُجْتَهِدٍ] أَيْ وَأَمَّا مَعَ فَقْدِهِ فَيَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُطْلَقِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُقَلِّدِ وَهُوَ قِسْمَانِ مُجْتَهِدُ مَذْهَبٍ وَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْأَدِلَّةِ، وَمُجْتَهِدُ الْفَتْوَى وَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى التَّرْجِيحِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ بَاطِلَةٌ قَوْلٌ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ طَائِفَةٌ أَيْضًا، كَالْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي زَمَنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَبْلَهُ وَمِمَّنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ] مُقَيَّدٌ بِالدَّعْوَى الَّتِي تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَا فِيمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ، فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ وَالزَّوْجِ.

[قَوْلُهُ: بِوَجْهَيْنِ] يُزَادُ عَلَيْهِمَا مَسْأَلَةُ الْحِيَازَةِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَلَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عج.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ فِيهَا إلَى بَيِّنَةٍ] بَلْ يَكْفِي اللَّوْثُ، إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ نَفْسَ التَّدْمِيَةِ أَيْ قَوْلُهُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ لَا يَحْتَاجُ لِبَيِّنَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى قَوْلِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.

[قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ إلَخْ] مُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ مُطْلَقًا، وَثُبُوتُ الْخُلْطَةِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى

<<  <  ج: ص:  >  >>