وَثِنْتَانِ بِالْمَفْهُومِ جَائِزَتَانِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بِأَكْثَرَ) أَيْ، وَكَذَا إذَا بِعْت سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا تَشْتَرِهَا بِأَكْثَرَ (سَنَةً إلَى أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِهِ) مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلًا سِلْعَةً بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ أَرْبَعُ عِلَلٍ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ أَوْ الْفِضَّتَيْنِ، وَالتَّأْخِيرُ بَيْنَهُمَا وَسَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَفَعَ مِائَةً يَأْخُذُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَمَفْهُومُ " بِأَكْثَرَ " أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ إذْ لَا تُهْمَةَ ثُمَّ أَشَارَ إلَى بَقِيَّةِ التِّسْعَةِ الْجَائِزَةِ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا) أَيْ إذَا بِعْت سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَاشْتَرَيْتهَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ (إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ) الشِّرَاءُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِالْمِثْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْكَلَامِ (كُلُّهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلَّةَ حِينَئِذٍ تُتَّقَى (وَتَكُونُ مُقَاصَّةً) فَإِذَا بِعْت سِلْعَةً بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَيْتهَا بِمِائَةٍ إلَى الْأَجَلِ فَهَذَا فِي ذِمَّتِهِ مِائَةٌ، وَهَذَا كَذَلِكَ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ يَقْطَعُ هَذِهِ الْمِائَةَ فِي الْمِائَةِ، وَإِذَا بَاعَهَا بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا إلَى الشَّهْرِ بِخَمْسِينَ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاصَّا فَيَجْعَلُ الْخَمْسِينَ فِي مُقَابَلَةِ الْخَمْسِينَ وَيُزِيدُ لَهُ خَمْسِينَ.
وَإِذَا بَاعَهَا بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى ذَلِكَ الشَّهْرِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاصَّا فَتَكُونُ الْمِائَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْمِائَةِ وَيَزِيدُ لَهُ الْآخَرُ خَمْسِينَ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ بَيْعِ الْجُزَافِ وَبَيَانِ شُرُوطِهِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْجُزَافِ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ وَهُوَ مَا جُهِلَ قَدْرُهُ أَوْ وَزْنُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ عَدَدُهُ وَاسْتَعْمَلَ " لَا بَأْسَ " هُنَا بِمَعْنَى الْجَوَازِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَفِي الصَّحِيحِ كَانَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ جُزَافًا
وَلِجَوَازِهِ عَشَرَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَسْكُوكٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ) أَوْ يُعَدُّ (سِوَى الدَّنَانِيرِ
ــ
[حاشية العدوي]
فِي إحْدَاهُمَا. وَقَوْلُهُ: الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ أَيْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ مُقَاصَّةً] إنَّمَا جَازَتْ الصُّوَرُ كُلُّهَا عِنْدَ اتِّفَاقِ الْأَجَلِ لِوُجُودِ الْمُقَاصَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطَاهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ الْمُقَاصَّةَ فِيمَا أَصْلُهُ مَمْنُوعٌ لَجَازَ؛ لِأَنَّ ضَابِطَ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْجَائِزَ ابْتِدَاءً لَا يَمْنَعُهُ إلَّا شَرْطُ نَفْيِ الْمُقَاصَّةِ، وَالْمَمْنُوعَ ابْتِدَاءً لَا يُصَيِّرُهُ جَائِزًا إلَّا شَرْطُ الْمُقَاصَّةِ.
تَنْبِيهٌ:
لَا يَحْرُمُ شِرَاءُ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا كَأَنْ بَاعَ لَهُ فَرَسًا فَاشْتَرَى رَقِيقًا أَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ كَثِيرًا، فَالصُّوَرُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى مِثْلَهَا مِنْ نَوْعِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى عَيْنَ مَا بَاعَ فِي امْتِنَاعِ ثَلَاثِ صُوَرٍ هَذَا إنْ لَمْ يَغِبْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بَعْدَ غَيْبَتِهِ فَزِيدَ صُورَتَانِ وَهُمَا كَوْنُ الشِّرَاءِ الثَّانِي بِأَقَلَّ لِلْأَجَلِ أَوْ لِأَبْعَدَ، وَإِنْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً كَمَا لَوْ بَاعَهُ فَرَسًا وَاشْتَرَى مِنْهُ أُخْرَى فَتَجُوزُ الصُّوَرُ كُلُّهَا.
[بَيْع الجزاف]
[قَوْلُهُ: أَوْ وَزْنِهِ] الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ أَوْ وَيَكُونُ مَعَ مَا بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لِقَدْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى] أَيْ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ عَامٌّ. [قَوْلُهُ: كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَبَايَعُونَ إلَخْ] أَيْ يَتَعَاطَوْنَ بَيْعَ الثِّمَارِ جُزَافًا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ، وَيَلْحَقُ بِالثِّمَارِ غَيْرُهَا.
[قَوْلُهُ: وَلِجَوَازِهِ عَشْرَةُ شُرُوطٍ] وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ أَنْ يُصَادِفَ كَوْنَهُ جُزَافًا فَلَا يَصِحُّ الْجُزَافُ الْمَدْخُولُ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ لِلْجَزَّارِ أَوْ الْعَطَّارِ: اصْنَعْ لِي كَوْمًا مَثَلًا وَأَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْك، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ مِنْ شِرَاءِ الْفُولِ الْحَارِّ أَوْ الْمِلْحِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَهُ مُجْزَفًا فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَاهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ شِرَائِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفِهِ بِأَنْ يَفْتَحَ وَرَقَةَ الْفِلْفِلِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَشْتَرِطَ زِيَادَةً وَإِلَّا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ وَانْظُرْهُ إنْ كَانَ مَنْقُولًا فَمُسَلَّمٌ. [قَوْلُهُ: فِيمَا يُكَالُ] كَالْحِنْطَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ يُوزَنُ كَالْعَسَلِ، وَالسَّمْنِ. [قَوْلُهُ: أَوْ يُعَدُّ] كَالْبِطِّيخِ وَغَيْرِهِ، وَأَسْقَطَهُ وَزَادَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْمَعْدُودِ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الرَّقِيقِ جُزَافًا فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ عَلَى حَدِّ {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute