للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٣١ - بَابٌ فِي النِّكَاح] (بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ) هَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْبَاقِي تَوَابِعُ لَهُ وَلِكُلٍّ مِنْهَا مَعْنًى لُغَةً وَاصْطِلَاحًا نَذْكُرُ كُلًّا فِي مَحِلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا النِّكَاحُ لُغَةً: فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ. وَاصْطِلَاحًا عَلَى الْعَكْسِ: حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا مُرَادًا بِهِ الْوَطْءُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَقَوْلِهِ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: ٣] وَهُوَ فِي الشَّرْعُ عَلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَطْءِ لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: عَقْدُ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦] .

وَالْأَوَّلُ لَهُ أَرْكَانٌ وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِالشَّرْطِ أَشَارَ إلَى غَالِبهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابٌ فِي النِّكَاحِ]

ِ [قَوْلُهُ: مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ] مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ، وَقَوْلُهُ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا فِي الْوَطْءِ لَا حَقِيقَةً أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا وَلَا أُمُّهَا [قَوْلُهُ: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا مُرَادًا بِهِ الْوَطْءَ] أَيْ عَلَى قِلَّةٍ كَمَا أَفَادَهُ تت.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْوَطْءِ قَلِيلٌ هَذَا مُفَادُ الْحَطَّابِ، وَحِينَئِذٍ فَيُنَافِي قَوْلَهُ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا عَلَى أُسْلُوبٍ يُفِيدُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَأَقُولُ: وَاسْتَقْرَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَضَعَّفَ الْفَاكِهَانِيُّ الثَّانِيَ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مَرْجُوحٌ وَخِلَافُ الْأَصْلِ [قَوْلُهُ: حَتَّى تَنْكِحَ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَطْءَ يُسْنَدُ لِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِأَنْ يُقَالَ: نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ أَيْ وَطِئَتْهُ، كَمَا يُقَالُ نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَيْ وَطِئَهَا، إلَّا أَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ وَطِئْته بِرِجْلِي أَطَؤُهُ وَطْئًا عَلَوْته إلَى أَنْ قَالَ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطْئًا جَامَعَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْلَى عَلَيْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَكَحَ وَوَطِئَ حَيْثُ كَانَ نَكَحَ بِمَعْنَى وَطِئَ.

[قَوْلُهُ: سِتَّةِ أَقْسَامٍ] الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ هُوَ النَّدْبُ وَمَحِلُّ نَدْبِهِ إنْ رَجَا النَّسْلَ أَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ تَشْتَاقُ لِلنِّكَاحِ دُونَ خَشْيَةِ زِنًا يَتْرُكُهُ، وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ الْمُضَيِّقُ، وَذَلِكَ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِصَوْمٍ وَلَا بِتَسَرٍّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِالصَّوْمِ أَوْ التَّسَرِّي فَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَكِنَّ النِّكَاحَ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ، فَقَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الصَّوْمِ وَالسَّرَارِي تَنْتَقِلُ طِبَاعُهُنَّ لِلْوَلَدِ وَيُبَاحُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَرْجُو النَّسْلَ، وَلَا تَمِيلُ نَفْسُهُ إلَيْهِ، وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ فِعْلِ خَيْرٍ وَيُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْطَعُهُ عَنْ فِعْلِ خَيْرٍ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَيَحْرُمُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَخْشَى بِتَرْكِهِ زِنًا، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي التَّسَرِّي فَهَذِهِ سِتَّةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوُجُوبَ تَحْتَهُ فَرْدَانِ مُضَيَّقٌ وَمُوَسَّعٌ، وَالْبَاءَةُ قِيلَ: مَعْنَاهَا الْجِمَاعُ وَالتَّقْدِيرُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَالْوِجَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ هُوَ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ، وَيَقْطَعُ نَثْرَ الْمَنِيِّ كَمَا يَقْطَعُ الْمَنِيَّ.

[قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ لَهُ أَرْكَانٌ] أَيْ أَرْبَعٌ الْوَلِيُّ وَالْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ وَالصَّدَاقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>