للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ بِهَا فَإِنْ أَبَى هَدَّدَهُ بِالسَّجْنِ فَإِنْ أَبَى سُجِنَ فَإِنْ أَبَى هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ فِي مَجْلِسٍ، وَهَذَا الْجَبْرُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَإِنْ انْقَضَتْ فَلَا رَجْعَةَ وَلَا جَبْرَ.

(وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) يُبَاحُ لَهُ أَنْ (يُطَلِّقَهَا مَتَى شَاءَ) فِي طُهْرٍ أَوْ حَيْضٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا (وَالْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا (وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] .

(وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) أَيْ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ (حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ إلَى الْخُلْعِ، وَهُوَ لُغَةً: الْإِزَالَةُ وَمِنْهُ خَلْعُ الْوَالِي عَزْلُهُ. وَشَرْعًا: إزَالَةُ الْعِصْمَةِ بِعِوَضٍ مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا

ــ

[حاشية العدوي]

فَلَيْسَ جَارِيًا عَلَى الْمُحَدَّثِ عَنْهُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ التَّطْوِيلِ، وَلَوْ جَرَى عَلَيْهِ، لَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهَا أَيْ الْعِلَّةَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ، وَوَجْهُ التَّطْوِيلِ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَيْضَةِ لَا تَعْتَدُّ بِهِ فِي أَقْرَائِهَا، وَالْمَرْأَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كَالْمُعَلَّقَةِ لَا مُعْتَدَّةٌ، وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ، وَلَا فَارِغَةٌ مِنْ زَوْجٍ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ] فَإِنْ أَبَى ضُرِبَ وَتَرَكَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ وَحِينَئِذٍ فَالْمَرَاتِبُ خَمْسٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الضَّرْبِ بِظَنِّ الْإِفَادَةِ، بَلْ ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ فِي التَّهْدِيدِ فَالْأُولَى الضَّرْبُ فَإِنْ ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، صَحَّ. إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْتَجِعُ مَعَ فِعْلِهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ فَإِنْ فَعَلَهَا كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ ثُمَّ ارْتَجَعَ مَعَ إبَانَةِ الْمُطَلِّقِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ امْتَثَلَ بِالضَّرْبِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا ارْتَجَعَهَا لَهُ الْحَاكِمُ بِأَنْ يَقُولَ: ارْتَجَعْت لَك زَوْجَتَك وَتَصِحُّ تِلْكَ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الزَّوْجِ قَوْلٌ، وَلَا نِيَّةٌ، وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا بِرَجْعَةِ الْحَاكِمِ وَيَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَاكِمِ تَقُومُ مَقَامَ نِيَّتِهِ.

تَنْبِيهٌ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ: طَلَّقْتهَا فِي الطُّهْرِ. وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: بَلْ فِي الْحَيْضِ. فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ، وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا، وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا ظَاهِرًا، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا.

[قَوْلُهُ: فِي طُهْرٍ أَوْ حَيْضٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ مَحْضُ التَّعَبُّدِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ مَنْعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُعَلَّلٌ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ: بِمَحْضِ التَّعَبُّدِ، فَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَمْتَنِعُ طَلَاقُهُ، وَعَلَى كَلَامِ أَشْهَبَ يَمْتَنِعُ. [قَوْلُهُ: وَالْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا] سَوَاءٌ كَانَ لِأَجْلِ إعْسَارٍ بِنَفَقَةٍ أَوْ لَا، وَمِثْلُ طَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، مَا إذَا دَخَلَ بِهَا وَوَطِئَهَا وَطْئًا غَيْرَ مُبَاحٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ مَثَلًا فَإِنَّهَا بَائِنَةٌ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ] أَيْ الثَّلَاثُ فِي كَلِمَةٍ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْبَتَّةِ أَوْ بِتَكَرُّرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ نَسَقًا.

[قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ] أَوْ أَنَا طَالِقٌ مِنْك أَوْ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ حَلَّ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ هَزْلًا، وَأَمَّا أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ أَوْ مَطْلُوقَةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْخَبَرُ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ نَقَلَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَهُ لِلْإِنْشَاءِ، وَاسْتَمَرَّ غَيْرُهُ عَلَى الْخَبَرِ، وَيَقَعُ، وَلَوْ لَاحِنًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقًا مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى فَرْضِ عِلْمِهِ بِالنَّحْوِ هَازِلٌ، وَهُوَ يَلْزَمُهُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْوِيَ إلَخْ] أَيْ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ نِيَّتِهَا أَوْ عَدَمِ نِيَّةِ شَيْءٍ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ] هَذَانِ الْقَوْلَانِ كَمَا فِي تت مَبْنِيَّانِ عَلَى يَمِينِ التُّهْمَةِ هَلْ تَتَوَجَّهُ أَوْ لَا، وَالْمُعْتَمَدُ تَوَجُّهُهَا قَالَ عج: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.

[الْخُلْعِ]

[قَوْلُهُ: خَلْعُ الْوَالِي] أَيْ السُّلْطَانُ خَلَعَ الْوَالِيَ [قَوْلُهُ: إزَالَةُ الْعِصْمَةِ بِعِوَضٍ مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا] كَوَلِيٍّ أَوْ أَجْنَبِيٍّ لَكِنْ لَا يَتِمُّ لِلزَّوْجِ الْعِوَضُ إلَّا إذَا كَانَ الدَّافِعُ رَشِيدًا، لَا إنْ كَانَ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ رَقِيقًا فَلَا يَتِمُّ لَهُ، وَإِنْ أُبِينَتْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>