ذَلِكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ بِهَا النِّسَاءُ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ.
تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ الطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ مَنْعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ (وَ) إنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا (أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ) وَصْفُهُ الْجَبْرَ أَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
آمِنَةُ بِنْتُ غِفَارٍ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً.
قَالَ الشَّيْخُ عَلِيُّ السَّمْرَاسِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ عَدَالَةِ ابْنِ عُمَرَ وَحَالِهِ أَنَّهُ حِينَ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِحَيْضِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ حُرْمَةُ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شُرِعَ التَّحْرِيمُ. [قَوْلُهُ: فَسَأَلَ عُمَرُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ مِنْ ابْنِهِ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِحْيَاءً مِنْ سُؤَالِهِ لَهُ. [قَوْلُهُ: مُرْهُ] أَصْلُهُ اُأْمُرْهُ بِهَمْزَتَيْنِ الْأُولَى لِلْوَصْلِ مَضْمُومَةٌ تَبَعًا لِلْعَيْنِ مِثْلُ اُقْتُلْ.
وَالثَّانِي فَاءُ الْكَلِمَةِ سَاكِنَةٌ تُبَدَّلُ تَخْفِيفًا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ سَابِقَتِهَا، فَتَقُولُ أُومَرْ فَإِذَا وُصِلَ الْفِعْلُ بِمَا قَبْلَهُ زَالَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ وَسَكَنَتْ الْهَمْزَةُ الْأَصْلِيَّةُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: ١٣٢] لَكِنْ اسْتَعْمَلَهَا الْعَرَبُ بِلَا هَمْزٍ، فَقَالُوا: مُرْ لِكَثْرَةِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّهُمْ حَذَفُوا أَوَّلًا الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ تَخْفِيفًا ثُمَّ حَذَفُوا هَمْزَةَ الْوَصْلِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا لِتَحَرُّكِ مَا بَعْدَهَا، وَكَذَا حُكْمُ خُذْ وَكُلْ أَيْ مُرْ ابْنَك عَبْدَ اللَّهِ قَالَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَيْ مُرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ. [قَوْلُهُ: فَلْيُرَاجِعْهَا] الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَنَا كَمَا أَفَادَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اسْتِئْنَافُ أَمْرٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ مُبَاشَرَةً بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُ بِوَاسِطَةٍ تَأْكِيدًا، وَتَقْرِيرًا لِذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت شَارِحَ الْمُوَطَّأِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلْيُرَاجِعْهَا، الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَالنَّدْبُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ أَبُوهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ الشَّرْعَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُبَلِّغٌ عَنْهُ اهـ.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا] بِإِعَادَةِ اللَّامِ، وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا، فَالْكَسْرُ عَلَى الْأَصْلِ فِي لَامِ الْأَمْرِ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَامِ التَّوْكِيدِ وَالسُّكُونُ لِلتَّخْفِيفِ، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِاسْتِمْرَارِ الْإِمْسَاكِ، وَإِلَّا فَالرَّجْعَةُ إمْسَاكٌ لَهَا.
" تَتِمَّةٌ ": اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا لَمْ يَرْتَجِعْهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ حَتَّى جَاءَ الطُّهْرُ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِيهِ، هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ لَا يَزُولُ بِزَوَالِ، وَقْتِهِ أَمْ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِلِارْتِجَاعِ ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: بَعْدُ] أَيْ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ أَيْ يَمَسَّهَا أَيْ يُجَامِعَهَا.
[قَوْلُهُ: فَتِلْكَ الْعِدَّةُ] أَيْ فَتِلْكَ زَمَنُ الْعِدَّةِ، وَهِيَ حَالَةُ الطُّهْرِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ، أَيْ أَذِنَ اللَّهُ، وَقَوْلُهُ بِهَا النِّسَاءُ هَكَذَا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ مَا فِي التَّحْقِيقِ، وَهُوَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَأَيْته فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ بِتَطْلِيقِ النِّسَاءِ فِيهَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أَيْ فِي زَمَنِ عِدَّتِهِنَّ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَفُهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَ الْمُطَلَّقِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ لِلْإِصْلَاحِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْوَطْءِ وَبِالْوَطْءِ يُكْرَهُ لَهُ الطَّلَاقُ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِمَسْكِهَا حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ كُرِهَ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى غَيْرِ حَيْضَةِ الطَّلَاقِ.
[قَوْلُهُ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ] قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ حُسِبَتْ بِضَمِّ الْحَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ عَلَيَّ بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الطَّلْقَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، بِتَطْلِيقَةٍ وَاَلَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ بِتَطْلِيقٍ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنُ عُمَرَ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ وَالْمُرَاجَعَةُ بِدُونِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ، وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِالرَّجْعَةِ الرَّجْعَةُ اللُّغَوِيَّةِ، وَهِيَ الرَّدُّ إلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ إذْ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، مُقَدَّمٌ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ.
بَلْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَيَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ قَالَ نَعَمْ» . [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ مُعَلَّلٌ مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بَلْ تَعَبُّدٌ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ] أَيْ الْمَنْعُ إلَخْ