للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَالْخُلْعُ طَلْقَةٌ لَا رَجْعَةَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا إذَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا فَخَلَعَهَا بِهِ مِنْ نَفْسِهِ) فَقَوْلُهُ: طَلْقَةٌ إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْخُلْعِ طَلْقَتَيْنِ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَعَلَى الثَّانِي لَهُ مُرَاجَعَتُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَقَوْلُهُ: لَا رَجْعَةَ فِيهَا إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ رَجْعِيٌّ لَا بَائِنٌ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا إذَا سَمَّى طَلَاقًا، أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَقَوْلُهُ: أَعْطَتْهُ شَيْئًا يُرِيدُ مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَبَيْعُهُ، احْتِرَازًا مِنْ نَحْوِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَيُكْسَرُ الْخَمْرُ، وَيُقْتَلُ الْخِنْزِيرُ وَلَيْسَ لَهُ قِبَلَ الْمَرْأَةِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا لَهَا، فَتَبْذُلُ الْعِوَضَ لِتَتَخَلَّصَ مِنْ ظُلْمِهِ فَيَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَيَرُدُّهُ وَيَنْفُذُ طَلَاقُهُ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ الْمَوْعُودِ بِمَجِيئِهَا فَقَالَ: (وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ

ــ

[حاشية العدوي]

وَشَرْطُ الزَّوْجِ التَّكْلِيفُ، وَلَوْ سَفِيهًا لَا صَبِيَّ أَوْ مَجْنُونَ، وَلَا يَبْرَأُ الدَّافِعُ بِدَفْعِ الْعِوَضِ لِلسَّفِيهِ، إنَّمَا يَبْرَأُ بِدَفْعِهِ لِلْوَلِيِّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَقَوْلُهُ بِعِوَضٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ مِنْ أَفْرَادِ مَا إذَا أَتَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِأَحَدِ نَوْعَيْ الْخُلْعِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إذَا أَعْطَتْهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِالْخُلْعِ، وَمِثْلُ دَفْعِ الْعِوَضِ، وَلَوْ وَقَعَ مِنْ الْمَرْأَةِ إبْرَاءٌ، وَلَوْ جَهِلَتْ مَا أَبْرَأَتْ.

تَنْبِيهٌ: إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هُنَا لِمُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا فِي الْبَيْنُونَةِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ] فَرَدَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إلَخْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا وَانْقَلَبَ بِهِ، فَقَالَ ذَا بِذَاكَ، وَلَمْ يُسَمِّيَا طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقُ الْخُلْعِ. اهـ.

وَقَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ عِبَارَةُ تت قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا إشَارَةً لِمَنْ يَقُولُ لَيْسَ طَلَاقًا، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ طَلَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَمْ يَلْزَمْ، وَهُوَ فَسْخٌ. اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عَيْنَ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ آخِرًا هُوَ عَيْنُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ طَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا، وَهُوَ طَلَاقُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ فَسْخٌ، وَإِنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ.

[قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ الْخِنْزِيرُ] وَقِيلَ يُسَرَّحُ فَهُمَا قَوْلَانِ، وَقَوْلُهُ: وَيُكْسَرُ الْخَمْرُ أَيْ نَكْسِرُ أَوَانِيَ الْخَمْرِ، وَيُرَاقُ الْخَمْرُ، وَقِيلَ لَا تُكْسَرُ بَلْ يُرَاقُ. وَانْظُرْ مَا وَجْهُ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَتْ نَفِيسَةً، وَلَا يَغُوصُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْخَمْرِ كَالصِّينِيِّ وَالنُّحَاسِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ قِبَلِ الْمَرْأَةِ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ عَلِمَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهَا أَوْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَإِنْ عَلِمَتْ دُونَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ، فَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ فَلِلزَّوْجِ. وَانْظُرْ إذَا وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى قُلَّةِ خَلٍّ، فَإِذَا هِيَ خَمْرٌ فَهَلْ لَهُ مِثْلُهُ كَالنِّكَاحِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيَّنُ أَوْ لَا شَيْءَ لَهُ كَذَا فِي الزَّرْقَانِيِّ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] ، وَقِيلَ بِخُلْعِ الْمِثْلِ، وَقَوْلُهُ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ أَيْ حُكْمُ الْخُلْعِ الْجَوَازُ أَيْ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، فَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ لَا يُقَالُ الْجَائِزُ يَصْدُقُ بِالْمَكْرُوهِ فَلَيْسَ فِيهِ رَدٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْجَائِزُ إذَا أُطْلِقَ فِي الْأُصُولِ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الْفِيشِيُّ.

[قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا لَهَا] أَيْ ضَرَرًا لَهَا التَّطْلِيقُ بِهِ فَلَيْسَ مِنْ الضَّرَرِ تَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَأَدَّبَهَا، وَإِنْ شَاءَ فَارَقَهَا وَحَلَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ. [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّهُ إلَخْ] حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَامَتْ عَلَى الضَّرَرِ شَاهِدًا يَشْهَدُ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِأَنَّهُ يَضُرُّهَا وَحَلَفَتْ مَعَهُ، فَإِنَّهَا تَرُدُّ الْمَالَ مِنْهُ وَمِثْلُ الشَّاهِدِ الْمَرْأَتَانِ أَيْ شَهَادَةُ الْقَطْعِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ السَّمَاعِ فَسَتَأْتِي، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْمُخَالَعَةِ أَنَّهَا مَا خَالَعَتْ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ مَا خَالَعَهَا بِهِ وَبَانَتْ مِنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ السَّمَاعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ لَوْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَالْخَدَمِ وَنَحْوِهِمْ عَمِلَ عَلَى شَهَادَتِهَا، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ الْمَالَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى السَّمَاعِ مَعَ الْيَمِينِ، وَقِيلَ لَا يَكْفِي وَرَدُّ الْمَالِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى السَّمَاعِ ضَعِيفٌ.

[أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ]

[قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ] لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الطَّلَاقِ مَعَ أَلْبَتَّةَ، وَأَلْبَتَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>