للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْلَمُ خِلَافًا فِي تَحَرُّجِ الْغِشِّ، وَالْخَدِيعَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مَمْنُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الْمَكْرِ، وَالْحِيَلِ عَلَى النَّاسِ، وَالتَّوَصُّلِ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ

(وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا) أَوْ غَيْرَهُ (فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا) يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ كَثِيرًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ بَيْنَ (أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ) فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِهِ (أَوْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ) إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالرِّضَا أَوْ يَسْكُتَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ.

وَقَيَّدْنَا بِ يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ احْتِرَازًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ إمَّا لِظُهُورِهِ كَالْعَوَرِ وَإِمَّا لِخَفَائِهِ كَالْخَشَبَةِ يَنْشُرُهَا فَيَجِدُهَا مَعْفُونَةً أَوْ جَوْزًا يَكْسِرُهُ فَيَجِدُهُ فَارِغًا فَإِنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي وَبِقَوْلِنَا: يُنْقِصُ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِهِ، أَوْ كَانَ

ــ

[حاشية العدوي]

الْعَاصِيَ عِنْدَنَا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِيمَانِ، نَعَمْ لَوْ اعْتَقَدَ حِلَّ ذَلِكَ كَفَرَ اهـ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى فَسَادِ بَيْعِ الْغَرَرِ كَجَنِينٍ، وَالطَّيْرِ، وَالْهَوَاءِ، وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ.

[قَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا] أَيْ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فِي تَحْرِيمِ إلَخْ لَا وَجْهَ لِذِكْرِ هَذَيْنِ وَإِحَالَةُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مَمْنُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ] أَيْ ثَبَتَ تَحْرِيمُهَا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَسَعُ أَحَدًا يُخَالِفُ بَلْ أُجْمِعَ عَلَيْهَا وَهَلْ ثُبُوتُهَا كُلُّهَا تَصْرِيحًا أَوْ الْبَعْضُ تَصْرِيحًا، وَالْبَعْضُ الْتِزَامًا تُرَاجَعُ الْأَحَادِيثُ. [قَوْلُهُ: وَالْحِيَلِ] الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ: وَالْحِيلَةُ وَعَطْفُ الْحِيَلِ عَلَى الْمَكْرِ عَطْفُ مُرَادِفٍ أَوْ كَالْمُرَادِفِ وَقَوْلُهُ: وَالتَّوَصُّلِ عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ.

[خِيَار النَّقِيصَة]

[قَوْلُهُ: فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا] لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي حِينَ الْعَقْدِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ وَكَتَمَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِ الْبَيَانِ يَكُونُ مُدَلِّسًا وَيَأْثَمُ.

وَمِثْلُ الْقَدِيمِ الْحَادِثُ زَمَنَ خِيَارِ التَّرَوِّي. [قَوْلُهُ: أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ] فَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَاعُ حَبْسَهُ مَعَ الْأَرْشِ وَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يُعْطِيَ الْأَرْشَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْشِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ، وَأَمَّا إنْ فَاتَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ بِبَعْضِ وُجُوهِ الْفَوَاتِ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَإِنَّمَا لَهُ الْأَرْشُ فَقَطْ.

[قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالرِّضَا] أَيْ أَوْ يَأْتِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ [قَوْلُهُ: أَوْ يَسْكُتَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ] اعْلَمْ أَنَّ السُّكُوتَ لِعُذْرٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ مُطْلَقًا وَلِغَيْرِهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْيَوْمِ رُدَّ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ كَالْيَوْمِ حَلَفَ وَرُدَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا رَدَّ لَهُ. وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِنَحْوِ الْيَوْمِ كَذَا نَظَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إمَّا لِظُهُورِهِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَلَّ لَيْسَ بِصَوَابٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الظَّاهِرِ كَالْعَوَرِ كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي الْخَفِيِّ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ رَأَى الْعَيْبَ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْلِفُ مُطْلَقًا وَيَرُدُّ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ تَمَسَّكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ نَكَلَ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَيْبُ خَفِيًّا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْلِفُ إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْإِرَادَةَ.

قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلُ: وَلَمْ يَحْلِفْ مُشْتَرٍ اُدُّعِيَتْ رُؤْيَتُهُ إلَّا بِدَعْوَى الْإِرَادَةِ [قَوْلُهُ: كَالْخَشَبَةِ إلَخْ] لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَعْفُونَةً أَنَّهَا كَذَاتِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ، بَلْ الْمُرَادُ يَجِدُهَا مُتَغَيِّرَةً أَوْ مُثَقَّبَةً. وَقَوْلُهُ أَوْ جَوْزًا بِالنَّصْبِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَالْمُنَاسِبُ جَوْزٍ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٍ عَلَى الْخَشَبَةِ أَيْ وَكَمَرَارَةِ نَحْوُ الْقِثَّاءِ وَعَدَمِ حَلَاوَةٍ نَحْوُ الْبِطِّيخِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي] أَيْ لَا قِيمَةَ لَهُ فِيمَا وَجَدَهُ مِنْ الْجَوْزِ الْفَارِغِ، وَالْخَشَبِ الْمُسَوَّسِ، وَانْظُرْ هَلْ مِثْلُ ذَلِكَ وُجُودُ تَغَيُّرٍ بِبَطْنِ الشَّاةِ أَوْ بِلَحْمِهَا وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عج فِي شَرْحِهِ لِخَلِيلٍ، ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّدَّ بِهِ فَيُعْمَلُ بِشَرْطِهِ، وَكَذَا إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِنَا يُنْقِصُ إلَخْ] مِثَالُ الَّذِي يُنْقِصُ الْعَوَرَ، وَالْقَطْعَ، وَلَوْ أُنْمُلَةً أَوْ خِصَاءٌ وَعُسْرٌ وَزْنًا وَشُرْبٌ وَبَخَرٌ وَوُجُودُ وَالِدَيْنِ أَوْ وَلَدٍ لَا أَخٍ وَلَا جَدٍّ وَجُذَامُ أَبٍ أَوْ جُنُونُهُ بِطَبْعٍ لَا بِمَسِّ جِنٍّ وَكَرَهَصٍ وَعَثْرٍ وَحَرَنٍ وَعَدَمِ حَمْلٍ مُعْتَادٍ وَكَالدُّبُرِ وَتَقْوِيسِ الذِّرَاعَيْنِ وَقِلَّةِ الْأَكْلِ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ أَوْ الْعَاقِلِ الَّذِي يَنْقُصُ عَمَلُهُ بِسَبَبِ قِلَّةِ أَكْلِهِ، وَأَمَّا كَثْرَةُ الْأَكْلِ فَلَيْسَتْ عَيْبًا فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ، وَأَمَّا فِي الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهَا عَيْبٌ حَيْثُ خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>