للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَالْمُطَلَّقَةُ) طَلَاقًا بَائِنًا، أَوْ رَجْعِيًّا وَخَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ (رَضَاعُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ أَجْرَ رَضَاعِهَا إنْ شَاءَتْ) ، وَإِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ تَأْخُذْ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ ثَابِتٌ لَهَا إذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَيُقْضَى لَهَا حِينَئِذٍ بِهِ إذَا قَالَ الزَّوْجُ عِنْدِي مَنْ تُرْضِعُهُ بِلَا شَيْءٍ، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَمَّا إذَا طَلَبَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَالْخِيَارُ لِلزَّوْجِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَلِكَ، أَوْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الرَّضَاعَ حَقٌّ لَهَا لَا عَلَيْهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِلْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ وَلَدَهَا مِنْهَا أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ مَا لَمْ تَنْكِحِي» .

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى آخِرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ الْحَضَانَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَهُوَ الْجَذْبُ، كَأَنَّهَا تَضُمُّهُ إلَى جَنْبِهَا، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ الْكَفَالَةُ، وَالتَّرْبِيَةُ، وَالْقِيَامُ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْمَحْضُونِ وَمَصَالِحِهِ، وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ الطِّفْلُ بِغَيْرِ كَفَالَةٍ فَإِذَا قَامَ بِهِ قَائِمٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا عَلَى الْأَبِ، أَوْ عَلَى الْأُمِّ فِي حَوْلَيْ

ــ

[حاشية العدوي]

لِلطَّرَفَيْنِ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تُرْضِعَ وَإِلَّا اسْتَأْجَرَتْ، وَقَوْلُنَا: الْأَبُ فَقِيرٌ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ إذْ لَوْ كَانَ غَنِيًّا حَيًّا وَأَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَ فَلَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: عِنْدِي مَنْ يُرْضِعُهُ مَجَّانًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ غَنِيًّا مَيِّتًا فَقَدْ قَالَ الزَّرْقَانِيُّ فَإِنْ مَاتَ مَلِيًّا أُخِذَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ مَالُهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ مُعْدِمًا وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ فَمِنْهُ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَأَنَّثَ الْفِعْلَ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ قَالَ لَا تُرْضِعُ بِالتَّاءِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْفَاكِهَانِيِّ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ لَكَانَتْ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ

[قَوْلُهُ: وَلِلْمُطَلَّقَةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا] أَيْ بِالْأُجْرَةِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَبِيهِ وَتَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَبِيهِ [قَوْلُهُ: وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ] ظَاهِرُ تَقْرِيرِ شَارِحِنَا أَنَّ هَذِهِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَكُونَ ضَرُورِيَّ الذِّكْرِ مَعَ قَوْلِهِ عَلَى أَبِيهِ إلَّا لِكَوْنِهِ تَصْرِيحًا بِالتَّخْيِيرِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى شَرِيفَةِ الْقَدْرِ حَتَّى لَا يَكُونَ تَكْرَارًا، فَقَالَ وَلَهَا أَيْ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ لِعُلُوِّ قَدْرِهَا أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا وَتَأْخُذَ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا مِنْ أَبِيهِ إنْ شَاءَتْ، وَلَوْ كَانَتْ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى حَمْلِ هَذَا عَلَى مَا فِي الْعِصْمَةِ انْدَفَعَ تَكْرَارُ هَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْأُمِّ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ مِنْ شَرِيفَةِ قَدْرٍ أَوْ بَائِنٍ أَنْ تَرْجِعَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الْأَبِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ [قَوْلُهُ: إنَّ الرَّضَاعَ حَقٌّ لَهَا لَا عَلَيْهَا] اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الرَّضَاعِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلْأُمِّ أَوْ عَلَى الْأُمِّ وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْأُمِّ، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَعَلَى أَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهَا، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ فِي الْفِقْهِ أَنَّ لَهَا الْأُجْرَةَ فِي مَسَائِلَ وَلَا أُجْرَةَ لَهَا فِي أُخْرَى فَإِذَا كَانَ الْحَالُ كَذَلِكَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ الْخِلَافُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يُقَالُ حَقٌّ عَلَيْهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ قَدْرٍ، وَحَقٌّ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا وَحَقٌّ عَلَيْهَا إذَا أَعْدَمَ الْأَبُ

[أَحْكَام الْحَضَانَةُ]

[قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا] ، وَالْأَشْهَرُ الْفَتْحُ وَلِذَا قَدَّمَهُ [قَوْلُهُ: مَأْخُوذَةٌ إلَخْ] لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاشْتِقَاقَ؛ لِأَنَّ الْحِضْنَ بِالْكَسْرِ لَيْسَ مَصْدَرًا قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجَذْبُ بِالْجِيمِ، وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ الْجَنْبُ، وَيُرَجِّحُ ذَلِكَ قَوْلُ التَّنْبِيهِ: الْحَضَانَةُ مَصْدَرُ حَضَنْت الصَّبِيَّ حَضَانَةً تَحَمَّلْت مُؤْنَتَهُ وَتَرْبِيَتَهُ، وَعَنْ ابْنِ الْقَطَّاعِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَجَمْعُهَا أَحْضَانٌ وَهُوَ الْجَنْبُ كَأَنَّهَا تَضُمُّهُ إلَى جَانِبِهَا، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْإِبْطِ إلَى الْكَشْحِ وَهُوَ الْخَصْرُ اهـ.

[قَوْلُهُ: كَأَنَّهَا تَضُمُّهُ إلَى جَنْبِهَا] لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمَّ مُحَقَّقٌ عُرْفًا فَالتَّعْبِيرُ بِكَأَنَّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّعْبِيرُ بِهِ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ أَوْ أَنَّهَا لِلتَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الشَّرْعِ الْكَفَالَةُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ مَعْنًى لُغَوِيٌّ لِلْحَضَّانَةِ، وَإِذَا نَظَرْت وَجَدْت الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ عَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَتَعْبِيرُهُ يُؤْذِنُ بِالْمُغَايَرَةِ [قَوْلُهُ: وَالتَّرْبِيَةُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ، وَالْقِيَامُ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْمَحْضُونِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَخْ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِابْنِ رُشْدٍ [قَوْلُهُ: فَإِذَا قَامَ بِهِ] أَيْ بِالْكَفَالَةِ بِمَعْنَى الْقِيَامِ

[قَوْلُهُ: سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ] كَمَا هُوَ شَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ زَادَ غَيْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَقُومُوا بِهِ فَهُمْ عَاصُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>