للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ فَقَالَ: (مِنْ ذَلِكَ) الْوَاجِبُ (الْإِيمَانُ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ إنْ عَطَفَ النُّطْقَ عَلَى الْقَلْبِ أَمَّا إنْ عَطَفْته عَلَى الْإِيمَانِ فَلَا يَدُلُّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْإِيمَانِ، وَظَاهِرُهُ: فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَنُسِبَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَجُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ حَبِيبٍ ق: مَا أَحْسَنُ مَا قَالَ عِيَاضٌ: إنْ وُجِدَ الِاعْتِقَادُ وَالنُّطْقُ فَمُؤْمِنٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ عُدِمَ فَكَافِرٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وُجِدَ الِاعْتِقَادُ وَمَنَعَهُ مِنْ النُّطْقِ مَانِعٌ فَمُؤْمِنٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ وُجِدَ النُّطْقُ وَحْدَهُ فَمُنَافِقٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْآنَ زِنْدِيقٌ.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ.

ــ

[حاشية العدوي]

الْخَبِيرُ بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ، وَإِلَى الْجَائِزِ بِقَوْلِهِ: الْبَاعِثُ. . . إلَخْ.

وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ أَوَّلَ الْوَاجِبَاتِ أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ أَنَّ الْوُجُودَ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ إلَهٌ وَاحِدٌ صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ يَجِبُ اعْتِقَادُهَا لَهُ اهـ.

فَإِنْ قُلْت الْوَاجِبُ لِلَّهِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هَلْ هُوَ النِّسْبَةُ أَوْ غَيْرُهَا لَمَقْتٌ يُطْلَقُ الْوَاجِبُ لِلَّهِ عَلَى الصِّفَةِ كَالْقُدْرَةِ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ، وَعَلَى النِّسْبَةِ كَثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَاجِبٌ لَهُ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِمَا تَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُعْتَقَدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُتَعَلَّقُهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالِاعْتِقَادِ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبُ] رَجَعَ اسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَلْبِ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْوَاجِبَ قَرِيبٌ وَذَلِكَ اسْمُ إشَارَةٍ لِلْبَعِيدِ، قُلْت قَدْ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَالْمُنْقَضِي فِي حُكْمِ الْمُتَبَاعِدِ أَوْ أَنَّ الْبُعْدَ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَنْزِلَةِ، وَبُعْدُ مَرْتَبَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ إشْعَارًا بِعُلُوِّ رُتْبَةِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَنْدُوبِ، أَشَارَ لِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ. [قَوْلُهُ: بِالْقَلْبِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ الْإِيمَانُ الْمُصَوَّرُ بِالتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ، أَيْ عَلَى عَطْفِ النُّطْقِ عَلَى الْقَلْبِ.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ إلَخْ] بَلْ صَرِيحُهُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ عَطَفْته عَلَى الْإِيمَانِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُخَلِّصَ عِنْدَ اللَّهِ النَّاجِي صَاحِبُهُ بِهِ مِنْ الْخُلُودِ فِي النَّارِ هُوَ التَّصْدِيقُ فَقَطْ، نَعَمْ الْإِيمَانُ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ نَاجِيًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لَا يَحْصُلُ بِالتَّصْدِيقِ وَحْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُصَاحَبَةِ النُّطْقِ لَهُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَنَقُولُ: يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْعَطَفَيْنِ بِاعْتِبَارِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي إلَخْ] : قَصْدُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيهِ تَنَافٍ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَنَافِي؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ وَفِيمَا يَأْتِي فِي بَيَانِ الْكَامِلِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ] قَضِيَّتُهُ مِنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِثْلُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَحَاشَا اللَّهَ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ ذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُمْ بِالْإِيمَانِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ.

[قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ مِنْ النُّطْقِ مَانِعٌ] كَأَنْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ. [قَوْلُهُ: فَمُؤْمِنٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ النُّطْقِ مَانِعٌ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ اتِّفَاقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا الْإِبَاءِ لَا يَكُونُ كَافِرًا بَلْ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّطْقُ إنَّمَا هُوَ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ [قَوْلُهُ: فَمُنَافِقٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ] أَيْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: وَالْآنَ زِنْدِيقٌ] أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُنَافِقُ لَا يُقْتَلُ وَالزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ، فَمَا صَدَقَ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا تَسْمِيَةً وَحُكْمًا.

[تَنْبِيهَات الْأَوَّل: إيمَانَ الْمُقَلِّدِ]

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ إنْ كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِفَهْمِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ كَافِرٌ وَعَلَيْهِ مَشَى السَّنُوسِيُّ فِي كُبْرَاهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يُنْتِجُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ هُوَ عَيْنُ الْمُقَلِّدِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَهَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُقَلِّدِ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ إذَا لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ مُقَلِّدِهِ، وَأَمَّا إنْ رَجَعَ بِرُجُوعِهِ فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَيْ عَدَمَ رُجُوعِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>