للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٣٦ - بَابٌ فِي الْبُيُوعِ، وَمَا شَاكَلَ الْبُيُوعَ] (بَابٌ فِي الْبُيُوعِ، وَمَا شَاكَلَ الْبُيُوعَ) أَيْ شَابَهَهَا كَالْإِجَارَةِ، وَالشَّرِكَةِ وَجَمَعَ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ، هَذَا بَابُ بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْبُيُوعِ، وَمَا لَا يَجُوزُ وَحَدُّ الْبَيْعِ، نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: أَوَّلُهَا الْعَاقِدُ وَهُوَ الْبَائِعُ، وَالْمُبْتَاعُ

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِبًا أَوْ جُنُونٍ، وَفِي بَيْعِ السَّكْرَانِ تَرَدُّدٌ

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ]

ِ، وَمَا شَاكَلَ الْبُيُوعَ

[قَوْلُهُ: كَالْإِجَارَةِ] الشَّبَهُ ظَاهِرٌ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا عَقْدٌ عَلَى شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضِ الذَّاتِ فِي الْبَيْعِ الْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ، وَقَوْلُهُ: وَالشِّرْكَةِ الشَّبَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بَاعَ بَعْضَ مَالِهِ بِبَعْضِ مَالِ الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: وَجَمَعَ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ] كَبَيْعِ النَّقْدِ وَبَيْعِ الدَّيْنِ، وَالصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَشَارَ لَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ، وَيَتَنَوَّعُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْأَعَمِّ إلَى صَرْفٍ وَمُرَاطَلَةٍ وَسَلَمٍ وَهِبَةِ ثَوَابٍ، وَيَتَنَوَّعُ بِاعْتِبَارَيْنِ آخَرَيْنِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَمِنْ حَيْثُ حُكْمُهُ، فَالْأَوَّلُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَالثَّانِي خَمْسَةٌ.

فَالْأَوَّلُ بَيْعُ مُسَاوَمَةٍ وَبَيْعُ مُزَايَدَةٍ وَهُمَا جَائِزَانِ اتِّفَاقًا وَبَيْعُ مُرَابَحَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ، وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ وَبَيْعُ اسْتِئْمَانٍ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِهِ. وَالثَّانِي خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الْإِبَاحَةُ وَهِيَ الْأَصْلُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَمَنْ اُضْطُرَّ لِشِرَاءِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، وَالنَّدْبُ كَمَنْ أَقْسَمَ عَلَى إنْسَانٍ أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً لَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا؛ لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ مَنْدُوبٌ فِي مِثْلِ هَذَا، وَالْكَرَاهَةُ كَبَيْعِ الْهِرِّ أَوْ السَّبُعِ لَا لِأَخْذِ جِلْدِهِ، وَالتَّحْرِيمُ كَالْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ [قَوْلُهُ: نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ إلَخْ] هَذَا التَّعْرِيفُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ مِلْكُ الذَّاتِ وَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، بِقَوْلِهِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ فَيَخْرُجُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَالنِّكَاحُ يُدْخِلُ هِبَةَ الثَّوَابِ، وَالصَّرْفِ، وَالْمُرَاطَلَةِ، وَالسَّلَمِ.

وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالْغَالِبُ عُرْفًا أَخُصُّ مِنْهُ بِزِيَادَةِ ذُو مُكَايَسَةٍ أَحَدَ عِوَضَيْهِ غَيْرَ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيِّنٌ غَيْرَ الْعَيْنِ فِيهِ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ الدَّاخِلَةُ فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلثَّوَابِ لَا مُكَايَسَةَ فِيهَا أَيْ لَا مُغَالَبَةَ، وَالصَّرْفُ، وَالْمُرَاطَلَةُ، وَالْمُبَادَلَةُ الْعِوَضَانِ فِيهَا مِنْ الْعَيْنِ، وَالسَّلَمُ الْمُعَيَّنُ فِي الْعَيْنِ وَهِيَ رَأْسُ الْمَالِ وَأَمَّا غَيْرُ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَمَعْنَى كَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ مُعَيَّنًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ. وَتَعْبِيرُ ابْنِ عَرَفَةَ بِالْعَيْنِ فِي رَأْسِ الْمَالِ أَغْلَبِيٌّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا أَوْ عَرْضًا [قَوْلُهُ: بِوَجْهٍ جَائِزٍ] قَالَ بَعْضُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُقَالُ فِيهِ بَيْعٌ إلَّا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْفَاسِدِ أَيْضًا وَذَكَرَ بَعْضٌ آخَرُ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْصَدَ فِي تَعْرِيفِهَا إلَّا مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَمَعْرِفَتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمَعْرِفَةِ الْفَاسِدِ أَوْ أَكْثَرِ الْفَاسِدِ

[قَوْلُهُ: التَّمْيِيزُ] هُوَ أَنَّهُ إذَا كُلِّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ [قَوْلُهُ: فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لَصِبًا، أَوْ جُنُونٍ] أَيْ أَوْ إغْمَاءٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا [قَوْلُهُ: وَفِي بَيْعِ السَّكْرَانِ تَرَدُّدٌ] أَيْ طَرِيقَتَانِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ أَنَّ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا أَيْ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهَذَا فِي السَّكْرَانِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ أَصْلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ نَوْعٌ مِنْ التَّمْيِيزِ فَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ السَّكْرَانِ أَوْ لَمْ يَلْزَمْ كَإِقْرَارِهِ وَسَائِرِ عُقُودِهِ، بِخِلَافِ جِنَايَاتِهِ وَعِتْقِهِ وَطَلَاقِهِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّا لَوْ فَتَحْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>