فِي حَيَاتِهِمْ (وَيُكَفِّنَهُمْ إذَا مَاتُوا) ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» . وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ الْمَرْأَةُ تَقُولُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الْوَلَدُ: أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ تَكْفِينِ الْعَبِيدِ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَاتُّفِقَ عَلَيْهِ.
(وَاخْتُلِفَ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ) الْحُرَّةِ وَقِيلَ، وَالْأَمَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا، أَوْ الَّتِي دُعِيَ إلَى الدُّخُولِ بِهَا (فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَسَحْنُونٌ وَشَهْرٌ هُوَ (فِي مَالِهَا) وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ غَنِيَّةً كَانَتْ، أَوْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ مِنْ تَوَابِعِ النَّفَقَةِ، وَهِيَ إنَّمَا كَانَتْ لِمَعْنًى، وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ، وَقَدْ ذَهَبَ بِالْمَوْتِ، وَإِذَا ذَهَبَ الْمَتْبُوعُ ذَهَبَ التَّابِعُ.
(وَقَالَ) مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ وَ (عَبْدُ الْمَلِكِ) قِيلَ: هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ هُوَ (فِي مَالِ الزَّوْجِ) ، وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً؛ لِأَنَّ عَلَاقَةَ الزَّوْجِيَّةِ بَاقِيَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُغَسِّلُهَا وَيَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَتِهَا، وَالْمُوَارَثَةُ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا (وَقَالَ) مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَ (سَحْنُونٌ) أَيْضًا (إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً فَهُوَ فِي مَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَ) هُوَ (فِي مَالِ الزَّوْجِ) وَوَجْهُهُ يَرْجِعُ لِلتَّوْجِيهَيْنِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ كَفَنِ الْأَبَوَيْنِ، وَالْبَنِينَ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ كَالرَّقِيقِ.
ــ
[حاشية العدوي]
فَيُقَالُ لَهُمَا: اخْدِمَا بِمَا يُنْفَقُ عَلَيْكُمَا إنْ كَانَ لَهُمَا خِدْمَةٌ وَإِلَّا عَتَقَا [قَوْلُهُ: وَيُكَفِّنُهُمْ إذَا مَاتُوا] ، وَكَذَا سَائِرُ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَلِيًّا فَلَوْ كَانَ مُعْدَمًا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَالْعَبْدُ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا كَفَنٌ وَاحِدٌ كُفِّنَ بِهِ الْعَبْدُ وَيُكَفَّنُ السَّيِّدُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ] أَيْ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَالْأَصْلُ الدَّانِي، وَالْفَرْعُ الْقَرِيبُ، وَالرَّقِيقُ [قَوْلُهُ: مَا فِي الصَّحِيحِ] أَيْ مَا فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحِ أَيْ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَالْبُخَارِيِّ أَوْ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَيْ جِنْسِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِمُلَاحَظَةِ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ فَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ [قَوْلُهُ: مَا تَرَكَ عَنْ غِنًى] أَيْ بِحَيْثُ لَمْ يُجْحِفْ بِالْمُتَصَدِّقِ وَقَوْلُهُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا وَهِيَ الْمُعْطِيَةُ وَقَوْلُهُ السُّفْلَى أَيْ السَّائِلَةُ، وَقَوْلُهُ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أَيْ بِمَنْ تَجِبُ عَلَيْك نَفَقَتُهُ وَقَوْلُهُ أَطْعِمْنِي بِهَمْزَةِ قَطْعٍ [قَوْلُهُ: تَدَعُنِي] بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ إلَى مَنْ تَكِلُنِي.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ الشَّيْخُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَالَ الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ وَقْفٌ عَلَى عِيَالِي أَوْ هَذِهِ الْعَلُوفَةُ عَلَى الْعِيَالِ تَدْخُلُ زَوْجَتُهُ فِي الْعِيَالِ.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَالْأَمَةُ] ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَلَى السَّيِّدِ [قَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالزَّوْجِ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ [قَوْلُهُ: هُوَ فِي مَالِهَا] ، وَكَذَا سَائِرُ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَفَّنَهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا [قَوْلُهُ: غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً] ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا [قَوْلُهُ: هُوَ مَالُ الزَّوْجِ] أَيْ الْكَفَنُ وَمُؤَنُ التَّجْهِيزِ أَيْ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ لَهَا النَّفَقَةُ لِبُلُوغِهِ وَيُسْرِهِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً] .
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَقِيرًا [قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً] أَيْ بِحَيْثُ يُوجَدُ عِنْدَهَا مَا تُكَفَّنُ بِهِ [قَوْلُهُ: سَحْنُونٌ] فِي السِّينِ وَجْهَانِ الْفَتْحُ، وَالضَّمُّ قَالَ عج الْكَثِيرُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْفَتْحُ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَالضَّمُّ، وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَهُوَ فِي مَالِهَا] ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَنِيًّا وَقَوْلُهُ فِي مَالِ الزَّوْجِ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَقِيرًا [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَذْهَبَ إلَخْ] فَلَوْ مَاتَ أَبُو شَخْصٍ أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَلَدُهُ وَنَفَقَةُ كُلٍّ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ تَكْفِينِ الْجَمِيعِ فَيُقَدَّمُ الْوَلَدُ وَقَضِيَّةُ الْإِجْرَاءِ عَلَى النَّفَقَةِ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَالْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَالصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ، إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى تَكْفِينِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ،، وَالظَّاهِرُ الِاقْتِرَاعُ عِنْدَ تَسَاوِي الْوَلَدَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا: بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ قَالَ الشَّيْخُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ يَكْفِي فِي السَّتْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ مُقَسَّمٌ بَيْنَهُمَا [قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ يَرْجِعُ لِلتَّوْجِيهَيْنِ] فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ لَوْ عَلَّلْنَا بِهِ الْغَنِيَّةَ تَجِدُهُ يَأْتِي فِي الْفَقِيرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute