للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طِبِّهِ، وَالْمُؤَدِّبِ إذَا ضَرَبَ ضَرْبًا يَجُوزُ لَهُ وَنَشَأَ مِنْهُ فَسَادٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي إذَا حَدَّ حَدًّا وَنَشَأَ مِنْهُ فَسَادٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا خَتَمَ بِهِ التَّرْجَمَةَ وَهُوَ الْغَصْبُ، وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ أَخْذُ مَالٍ قَهْرًا تَعَدِّيًا بِلَا حِرَابَةٍ، وَحُكْمُهُ الْحُرْمَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ.

وَمِنْ أَحْكَامِهِ الضَّمَانُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِمَا غَصَبَ) الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ أَيْ الْغَاصِبُ كُلُّ آدَمِيٍّ يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّمَانَ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْغَصْبِ إنْ فَاتَ الْمَغْصُوبُ (فَإِنْ) لَمْ يَفُتْ (رَدَّ) الْغَاصِبُ (ذَلِكَ) الْمَغْصُوبَ (بِحَالِهِ) إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي بَدَنِهِ وَلَمْ تَحِلَّ أَسْوَاقُهُ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا قِيمَةَ (عَلَيْهِ) وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْأَدَبُ وَالتَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ

ــ

[حاشية العدوي]

كَالْبَيْطَارِ] أَيْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ حَيْثُ فَعَلَ كُلَّ الْمَطْلُوبِ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ

[قَوْلُهُ: فِي حَالِ عِلَاجِهِ] احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ حَالِ عِلَاجِهِ فَهُوَ مَحْضُ تَعَدٍّ فَتَأَمَّلْ

[الْغَصْب وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

[قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ] وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا

[قَوْلُهُ: أَخْذُ مَالٍ] مُخْرِجٌ لِأَخْذِ الْحُرِّ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ، أَيْ أَخْذُ آدَمِيٍّ مَالًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْآدَمِيِّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ عَقْدُ الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ وَقَوْلُهُ: قَهْرًا حَالَ مُقَارَنَةٍ مُخْرِجٌ لِلْخِيَانَةِ وَالِاخْتِلَاسِ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَهْرَ فِيهِمَا إنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدُ لَا حَالَ الْأَخْذِ، وَالْخَائِنُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي جَهْرَةً وَيَذْهَبُ جَهْرَةً، وَالْمُخْتَلِسُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي خُفْيَةً وَيَذْهَبُ جَهْرَةً. وَقَوْلُهُ: تَعَدِّيًا أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الْمُحَارِبِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَهْرًا لَكِنَّهُ لَيْسَ تَعَدِّيًا، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ تَشْمَلُ الْحِرَابَةَ وَتَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَخْرَجَهَا لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْفَوْتُ فَافْتَرَقَا إلَخْ.

أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ عَلَى أَخْذِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ لِأَنَّ أَخْذَهَا يُقَالُ لَهُ تَعَدٍّ لَا غَصْبٌ.

[قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ] أَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: ١٩٠]

[قَوْلُهُ: يُطَوَّقُهُ] أَيْ بِأَنْ تَمْتَدَّ عُنُقُهُ حَتَّى يُسْلَكَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: مِنْ سَبْعٍ لِأَنَّ غَصْبَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ الْعُلْيَا غَصْبٌ لِمَا حَاذَاهُ مِمَّا تَحْتَهَا

[قَوْلُهُ: أَرَضِينَ] بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُجْعَلُ الْأَرْضُ فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ شَارِحُ الْجَامِعِ

[قَوْلُهُ: وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ إلَخْ] أَيْ آيِلٌ لِلضَّمَانِ لَا أَنَّهُ ضَامِنٌ بِالْفِعْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، فَإِنْ رَدَّ. [قَوْلُهُ: كُلُّ آدَمِيٍّ يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ] خَرَجَ أَخْذُ الْحَرْبِيِّ مَالَ الْمُسْلِمِ قَهْرًا فَلَا يُقَالُ لَهُ غَصْبٌ شَرْعًا.

[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ] دَلِيلٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِمَا غَصَبَ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْهُ أَيْ أَخَذَتْهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ أَيْ مُلْزَمَةٌ بِدَفْعِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ فَاتَ وَالْمُرَادُ ذِي الْيَدِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ] أَيْ مِنْ كُلِّ آدَمِيٍّ تَنَاوَلَهُ إلَخْ

[قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّمَانَ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْغَصْبِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ يَضْمَنُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ زَمَنٍ غَاصِبٌ

[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَفُتْ رُدَّ إلَخْ] تَقْدِيرُهُ لَمْ يَفُتْ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّرْطَ مَحْذُوفٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: رُدَّ هُوَ الْجَوَابُ وَحِينَئِذٍ يَخْلُو قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا فَلَعَلَّ الشَّارِحَ لَاحَظَ عَاطِفًا مَحْذُوفًا أَيْ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ وَرُدَّ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ تَحِلَّ أَسْوَاقُهُ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ لَا تُعْتَبَرُ فَهِيَ كَالْعَدَمِ فَلَا يَأْخُذُ رَبُّ السِّلْعَةِ إلَّا سِلْعَتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>