للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي الْبَابِ فَقَالَ: (وَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرْضًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، إذْ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ. وَظَاهِرُهُ طَائِعًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا، عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ الْحُرُّ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَالْعَبْدُ يَضْمَنُ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ كَالْحُرِّ وَمَا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ فِي رَقَبَتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، وَسَوَاءٌ بَاشَرَ الِاسْتِهْلَاكَ أَوْ تَسَبَّبَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ ق. (وَكُلُّ مَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ) أَوْ يُعَدُّ مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ آحَادُهُ كَالْبَيْضِ (فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ) فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ فِيهِ هَذَا إذَا عُرِفَتْ مَكِيلَتُهُ أَوْ وَزْنُهُ، أَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَ جُزَافًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ الصُّبْرَةِ بَعْدَ وَصْفِهَا يَوْمَ اسْتَهْلَكَهَا، وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ حَسَنَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ مِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ طَعَامًا فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ وَطَالَبَهُ بِهِ فِي زَمَنِ الرَّخَاءِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مِثْلَهُ دُونَ قِيمَتِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: تَعَدَّى أَنَّ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي فِعْلِ شَيْءٍ وَأَفْسَدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْبَيْطَارِ فِي حَالِ عِلَاجِهِ، وَالطَّبِيبِ فِي حَالِ

ــ

[حاشية العدوي]

حَمَلَهَا مُذَكَّاةً أَوْ طَعَامًا وَوَجَدَهُ بِفَيْفَاءَ إلَى الْعُمْرَانِ وَوَجَدَهُ رَبُّهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَدْفَعُ لَهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ، فَإِنْ أَتَى بِهِ حَيَّةً إلَى الْعُمْرَانِ فَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَاللُّقَطَةِ كَمَا إذَا وَجَدَهَا بِقُرْبِ الْعِمَارَةِ أَوْ اخْتَلَطَتْ بِغَنَمِهِ فِي الْمَرْعَى، وَسَكَتَ عَنْ الْبَقَرِ وَحُكْمُهُ إذَا كَانَتْ بِفَيْفَاءَ وَخَافَ عَلَيْهَا السِّبَاعَ أَوْ الْجُوعَ أَوْ الْعَطَشَ أَوْ النَّاسَ فَلَهُ أَكْلُهَا عِنْدَ تَعَسُّرِ حَمْلِهَا، وَأَمَّا لَوْ تَيَسَّرَ سَوْقُهَا لِلْحَاضِرَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا فَإِنْ كَانَتْ بِمَحِلِّ أَمْنٍ فِي الْفَيْفَاءِ تُرِكَتْ بِهَا فَإِنْ أَخَذَهَا وَجَبَ تَعْرِيفُهَا، وَأَمَّا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالشَّاةُ الْمَوْجُودَةُ لَلْعُمْرَانِ فَيَجِبُ الْتِقَاطُهَا عِنْدَ خَوْفِ الْخَائِنِ كَالْخَيْلِ وَنَحْوِهَا.

[قَوْلُهُ: عَرْضًا] الْمُرَادُ بِهِ شَيْئًا غَيْرَ الْمِثْلِيِّ.

[قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ لَهُ قَوْلًا بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُتْلَفَاتِ مِثْلِيَّةٌ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.

[قَوْلُهُ: طَائِعًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا] لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ الْحُرُّ] أَيْ الرَّشِيدُ [قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ يَضْمَنُ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ] أَيْ الْبَالِغُ أَيْ وَكَذَا الْمَأْذُونُ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُؤْمَنَ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِمَا يُتْبَعَانِ إنْ عَتَقَا [قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ] أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ [قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ] تَعْمِيمٌ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ السَّفِيهُ مَحِلُّ ضَمَانِهِمَا إذَا لَمْ يُؤْمَنَا عَلَى مَا أَتْلَفَاهُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَصُونَا بِهِ مَا لَهُمَا فَيَضْمَنَانِ فِي الْمَصُونِ فَقَطْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْأَقَلَّ مِنْهُ وَمِمَّا صُونَ بِهِ مَالُهُ وَلَا فَرْقَ فِي الصَّبِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا أَمْ لَا إلَّا ابْنَ شَهْرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْعَجْمَاءِ فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ أَيْ فَإِذَا أَفَادَ مَالًا لَمْ يَضْمَنْ فِيهِ بَعْدُ، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَأْمِينُهُ وَالْمَنْقُولُ فِيمَا يُتْلِفُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَالَ فِي مَالِهِ وَالدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا هَدَرٌ.

وَالثَّالِثُ: الْمَالُ هَدَرٌ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ تَسَبَّبَ] كَمَا إذَا ضَرَبَ دَابَّةً فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا بِسَبَبِهِ.

[قَوْلُهُ: مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ آحَادُهُ] أَيْ وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ كَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ.

[قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ] هَذَا إنْ وُجِدَ لَهُ مِثْلٌ، أَمَّا إنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مِثْلٌ وَعُرِفَ لَهُ مِثْلٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَصْبِرُ إلَى أَوَانِهِ وَيَأْخُذُ مِثْلَهُ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.

[قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ فِيهِ] أَيْ فَإِذَا أَتْلَفَ لَهُ مِثْلِيًّا ثُمَّ وَجَدَهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ مِثْلَ مِثْلِيِّهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بَلْ يَصِيرُ إلَى بَلَدِ الْمُتْلَفِ فَيُوَفِّيهِ الْمِثْلَ فِيهَا، بَلْ لَوْ غَصَبَ مِنْهُ مِثْلِيًّا ثُمَّ وَجَدَهُ مَعَهُ بِعَيْنِهِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ

[قَوْلُهُ: إذَا عُرِفَتْ مَكِيلَتُهُ] أَيْ أَوْ عَدَدُهُ

[قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَ جُزَافًا] وَهُوَ مَا جُهِلَ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ أَوْ عَدَدُهُ

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ الصُّبْرَةِ] أَيْ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّ الْجُزَافَ كَالْمُقَوَّمِ الْوَاجِبِ عَلَى مُتْلِفِهِ قِيمَتُهُ بَعْدَ تَحَرِّيهِ حَيْثُ كَانَ مُتْلِفُهُ غَيْرَ مَالِكِهِ، وَأَمَّا الْمَالِكُ يَبِيعُ صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ ثُمَّ يُتْلِفُهَا قَبْلَ كَيْلِهَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا لِيُوفِيَهُ لِلْمُشْتَرِي.

[قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي فِعْلِ شَيْءٍ وَأَفْسَدَهُ] حَيْثُ كَانَ الْمَالِكُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ بِأَنْ كَانَ رَشِيدًا وَإِلَّا ضَمِنَ

[قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>