للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ بِمَعْنَى قَبُولِ الْأَحْكَامِ وَالْإِذْعَانِ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ، فَلَا يَصِحُّ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.

الثَّالِثُ: اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ - وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [إبراهيم: ١٩ - ٥٢] . وَقَوْلُهُ: (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهٌ وَاحِدٌ) فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، مَعْمُولٌ لِلنُّطْقِ، وَأَتَى بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِسْلَامُ لَا غَيْرُ فَلَا يُجْزِئُ أَنْ تَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا الْعَزِيزُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَإِنَّمَا يُجْزِئُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ الْكِتَابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: ١٩] وَالْإِجْمَاعُ قَالَتْ الْأَمَةُ بِلِسَانٍ

ــ

[حاشية العدوي]

بِرُجُوعِهِ بَعِيدٌ.

[التَّنْبِيه الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ]

[قَوْلُهُ: وَاحِدٌ] أَيْ مُتَّحِدَانِ مَاصَدَقًا وَمَفْهُومًا. [قَوْلُهُ: هُوَ الْخُضُوعُ] أَيْ الْبَاطِنِيُّ وَقَوْلُهُ: وَالِانْقِيَادُ عَطْفُ مُرَادِفٍ. [قَوْلُهُ: وَالْإِذْعَانُ] مُرَادِفٌ لِقَبُولِ الْأَحْكَامِ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ] أَيْ الْقَلْبِيِّ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ التَّرَادُفُ وَهُوَ طَرِيقَةٌ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى لِجُمْهُورِ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْخُضُوعُ الظَّاهِرِيُّ الْمُلَابِسُ لِلْإِذْعَانِ الْبَاطِنِيِّ وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ.

[قَوْلُهُ: فِي الشَّرْعِ] أَيْ بِحَسَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَنَا فَلَا نُجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ إلَّا إذَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: أَهْلِ الْعِلْمِ] أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِينَ، لِقَوْلِهِ: مِنْهُمْ مَالِكٌ لَا خُصُوصَ الْمُتَكَلِّمِينَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَيْسَ مِنْهُمْ بَلْ مِنْ أَكَابِرِ الْفُقَهَاءِ، مُقَابِلُ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ النَّظَرُ، وَقِيلَ: الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ وَقِيلَ: الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّظَرِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّهُ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ] أَيْ بِمَا يَجِبُ لَهُ وَيَجُوزُ، وَيَسْتَحِيلُ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَرَسُولِهِ وَإِضَافَةُ رَسُولٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ السَّنُوسِيِّ، وَأَنْ يَعْرِفَ مَا يَجِبُ فِي حَقِّ الرُّسُلِ إلَخْ وَأَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ أَيْ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعِلْمُ بِهِ يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ بِهِمْ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَضِيَّةَ الْكُبْرَى وَحَاشِيَةَ الْبُوسِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إذْعَانٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَقَدْ جَعَلَهَا السَّنُوسِيُّ مِنْ أَقْوَى مَا قِيلَ فِي أَوَّلِ وَاجِبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبُوسِيُّ مِنْ جُمْلَةِ غَيْرِ الْأَقْرَبِ الْإِيمَانَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ الْإِذْعَانُ الْبَاطِنُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ فِي الْآيَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّصْدِيقُ أَيْ الْإِذْعَانُ الْمُقَارِنُ لِلِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ الَّذِي عَنْ دَلِيلٍ.

[قَوْلُهُ: وَدِينِهِ] أَيْ أَحْكَامُهُ أَيْ مَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] دَلِيلٌ لِلطَّرَفِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَلْيَعْلَمُوا دَلِيلٌ لِبَعْضِ مَاصَدَقَاتِهِ ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْآيَتَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ أَوَّلُ وَاجِبٍ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى، وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الَّتِي قِيلَ إنَّهَا أَوَّلُ وَاجِبٍ الْمَعْرِفَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِلَهِ فَقَطْ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ اللَّقَانِيِّ.

[قَوْلُهُ: وَأَتَى بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِمَادِ أَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ هُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، أَيْ وَعَدَمُ إجَابَةِ الدَّاعِي لِفَقْدِ شَرْطِهَا. [قَوْلُهُ: فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ [قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِئُ أَنْ تَقُولَ إلَخْ] الْأَنْسَبُ لِمَا قَالَ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يُجْزِئُ: الْعَزِيزُ إلَهٌ وَاحِدٌ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَا يُجْزِئُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ: اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ كَلِمَةَ تَوْحِيدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَصْرُ إضَافِيٌّ أَيْ لَا يُجْزِئُ لَا إلَهَ إلَّا الْعَزِيزُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُجْزِئُ اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ، وَبَعْدَ أَنْ عَلِمْت مَا قَرَّرْنَا فَالظَّاهِرُ إجْزَاءُ لَا إلَهَ إلَّا الْعَزِيزُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ مِنْ الْقَادِرِ عَلَيْهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ وَلَا النَّفْيُ وَلَا الْإِثْبَاتُ وَلَا التَّرْتِيبُ وَلَا الْفَوْرِيَّةُ وَلَا اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ الْكِتَابُ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ إثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَحْدَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي إثْبَاتِهَا بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ وَحْدَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَقِيلَ: نَعَمْ، وَهُوَ رَأْيُ فَخْرِ الدِّينِ قَائِلًا: إنَّ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ النُّبُوَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْإِلَهِ وَاحِدًا فَلَا جَرَمَ أَمْكَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>