تَتْمِيمٌ: قَدْ تَكُونُ الْإِجَارَةُ مَكْرُوهَةً مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِذِمِّيٍّ لَا يَنَالُهُ مِنْ ذَلِكَ ذُلٌّ وَقَدْ تَكُونُ حَرَامًا مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِذِمِّيٍّ يَنَالُهُ بِذَلِكَ ذُلٌّ أَوْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِمَعْرُوفٍ بِالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ حَرَامٌ. .
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْجَعَالَةِ، وَهِيَ أَنْ يُجَاعِلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ. عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لَهُ إنْ أَكْمَلَ الْعَمَلَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَذَهَبَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ بَاطِلًا، وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: ٧٢] وَلِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الرُّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْجُعَلِ نَظَرٌ لِجَوَازِ إقْرَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالضِّيَافَةِ. ج: لَا نَظَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا
ــ
[حاشية العدوي]
أَنَّ لَفْظَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ اسْتَجَازُوهُ وَمَضَوْا عَلَيْهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. [قَوْلُهُ: قَدْ تَكُونُ الْإِجَارَةُ مَكْرُوهَةً] الْأَصْلُ فِيهَا الْجَوَازُ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّلَاةِ] أَيْ إمَامًا بِالنَّاسِ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ فِي الْمَكْتُوبَةِ عِنْدِي أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَإِنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ وَحُكِمَ بِهَا كَالْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ تُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَلِّينَ.
وَأَمَّا إذَا أُخِذَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ فَلَا كَرَاهَةَ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا] كَالْحَجِّ وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَاتِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا تَجُوزُ احْتِرَازًا مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَحَفْرِ الْقَبْرِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى ذَلِكَ جَائِزَةٌ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِذِمِّيٍّ إلَخْ] .
حَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ يَسْتَبِدُّ بِعَامِلٍ الْكَافِرُ وَلَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا اكْتَرَاهُ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ كَكَوْنِهِ مُقَارِضًا أَوْ سَاقِيًا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِدَّ بِعَمَلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ كَالصَّانِعِ لَهُ فِي حَانُوتِهِ بِأَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ فَهُوَ مَحْظُورٌ كَالْخِدْمَةِ فِي بَيْتِهِ، وَالْإِرْضَاعِ لَهُ، وَيُفْسَخُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَيَمْضِي وَتَكُونُ لَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَرُمَ كَعَمَلِ الْخَمْرِ وَرَعْيِ الْخِنْزِيرِ، وَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ مَضَى وَتَصَدَّقَ بِالْكِرَاءِ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ. وَقَوْلُنَا: حَرُمَ أَيْ حُرْمَةً قَوِيَّةً فَلَا يُنَافِي أَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ حَرَامٌ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ. [قَوْلُهُ: يَنَالُهُ بِذَلِكَ ذُلٌّ] كَأَنْ يَمْشِيَ وَرَاءَهُ مَثَلًا فَهَذَا يُفْسَخُ مَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ فَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ. [قَوْلُهُ: مِمَّا فِيهِ حَرَامٌ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِمَّا هُوَ حَرَامٌ كَالسَّرِقَةِ.
[الْجَعَالَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]
[قَوْلُهُ: الرَّجُلُ] أَيْ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ} [يوسف: ٧٢] إلَخْ] أَيْ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ. [قَوْلُهُ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ} [يوسف: ٧٢]] أَيْ بِالصُّوَاعِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {جَعَلَ السِّقَايَةَ} [يوسف: ٧٠] الْمِشْرَبَةَ {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف: ٧٠] قِيلَ كَانَتْ مِشْرَبَةً جُعِلَتْ صَاعًا يُكَالُ بِهَا، وَقِيلَ: كَانَتْ تُسْقَى الدَّوَابُّ بِهَا وَكَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ وَقِيلَ مِنْ ذَهَبٍ.
[قَوْلُهُ: فِي الرُّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ] قِصَّةُ الرَّهْطِ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ لُدِغَ سَيِّدُهُمْ رَوَاهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: «انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا عِنْدَنَا لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ: إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَقَدْ سَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ قَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لِي جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَيْ الْفَاتِحَةَ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ يَمْشِي، وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ أَيْ عِلَّةٌ فَأَوْفُوهُمْ جُعْلَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَذْكُرَ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: وَمَا يَدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَالْقَطِيعُ مِنْ الْغَنَمِ الْفِرْقَةُ. وَقَوْلُهُ: لَا رَقْيَ مِنْ بَابِ رَمْيَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْجُعَلِ] أَيْ عَلَى جَوَازِهِ أَيْ عَلَى جَوَازِ الْجُعَلِ الَّذِي هُوَ الْجَعَالَةُ الْمُتَقَدِّمُ تَعْرِيفُهَا.
[قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ] أَيْ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute