للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ» . مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» يَقْتَضِي صَرْفَ مَا أَخَذُوهُ لِلرُّقْيَةِ لَا لِلضِّيَافَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِيمَا قَلَّ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا كَثُرَ، وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ

وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ، أَحَدُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعَلِ) بِمَعْنَى الْجَعَالَةِ (أَجَلٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ فِي غَرَرِ الْجُعَلِ إذْ قَدْ يَقْتَضِي الْأَجَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا أَوْ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَتَى شَاءَ، وَالْجَعَالَةُ تَكُونُ (فِي) أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَ (رَدِّ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بَيْعِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) ثَانِيهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:

ــ

[حاشية العدوي]

الْجُعَلِ بِمَعْنَى الْمَأْخُوذَةِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ إيَّاهُ يَعُودُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَمَا يَدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ] أَيْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرَّاقِي، وَقَوْلُهُ: إنَّهَا أَيْ الْفَاتِحَةُ وَرُقْيَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ أَدْرَاكَ أَيْ أَعْلَمَك أَنَّهَا رُقْيَةٌ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَمَا عِلْمُك أَنَّهَا رُقْيَةٌ.

قَالَ: حَقٌّ أُلْقِيَ فِي رَوْعِي. [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِيمَا قَلَّ وَاخْتُلِفَ فِيمَا كَثُرَ] أَيْ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَانْظُرْ مَا ضَابِطُ الْقَلِيلِ مِنْ غَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ أَرْكَانَهُ وَهِيَ أَرْبَعٌ: الْعَاقِدَانِ، وَالْعَمَلُ، وَالْعِوَضُ وَشَرْطُ الْعَاقِدِ التَّأَهُّلُ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ صِحَّةً وَلُزُومًا، وَشَرْطُ الْجُعَلِ بِمَعْنَى الْعِوَضِ أَنْ يَصِحَّ كَوْنُهُ أُجْرَةً وَلَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُ الْعَقْدِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَلْ يُسْتَحَقُّ الْجُعَلُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُعَاقَدَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَحْضَرَ الْعَبْدَ الْآبِقَ مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَجَبَ الْجُعَلُ وَقَعَ مِنْ رَبِّهِ الْتِزَامٌ أَوْ لَا، وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِهِ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبْقِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلِبَاسٍ لَا نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهَا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى رَبِّ الْآبِقِ.

[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْجَعَالَةِ] مُفَادُهُ أَنَّ الْجُعَلَ لَيْسَ إلَّا عِبَارَةً عَنْ الْعَقْدِ الْمَعْلُومِ، وَالْجُعَلُ يُسْتَعْمَلُ مُرَادًا مِنْهُ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ، وَيُسْتَعْمَلُ مُرَادًا مِنْهُ الْأُجْرَةُ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ، فَلِذَلِكَ أَتَى بِقَوْلِهِ: بِمَعْنَى إلَخْ وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْجُعَلِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مُرَادًا مِنْهُ الْعَقْدُ وَمُرَادًا مِنْهُ الْأَجْرُ، وَغَيْرُ مُسَلَّمٍ فِي الْجَعَالَةِ إذْ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْأَجْرُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: الْجَعَالَةِ] بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّ] إنْ انْقَضَى الْعَمَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ] مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ أَيْ لَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا حَالَةُ الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْعَمَلَ مَتَى شَاءَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَأَمَّا الْجُعْلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَيَلْزَمُ الْجَاعِلَ دُونَ الْعَامِلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُرَدُّ عَلَى الشَّارِحِ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: لِمَ كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ جَائِزٍ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ فَغَرَرُهُ قَوِيٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّرْطِ فَقَدْ دَخَلَ ابْتِدَاءً عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَغَرَرُهُ خَفِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَالْجَعَالَةُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُجَاعَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ يَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَتَعَاقَدَ مَعَهُ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ اقْتِضَاءِ دَيْنٍ، وَكَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ عُيِّنَ فِيهَا مِقْدَارٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْأَذْرُعِ كَانَ إجَارَةً، وَإِنْ عَاقَدَهُ عَلَى إخْرَاجِ الْمَاءِ كَانَ جُعْلًا وَبَعْضُهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ كَالْمُعَاقَدَةِ عَلَى إحْضَارِ عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُجْهَلُ فِيهِ الْعَمَلُ، وَبَعْضُهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجَعَالَةُ وَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ كَالْمُعَاقَدَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْجَاعِلِ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَيْ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ جَاعَلَهُ عَلَى إخْرَاجِ مَائِهَا. [قَوْلُهُ: كَرَدِّ آبِقٍ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَجْهَلَانِ مَكَانَهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ عَلِمَ الْجَاعِلُ فَقَطْ وَجَهِلَ الْعَامِلُ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْجُعْلِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَلِمَ الْمَجْعُولُ لَهُ فَقَطْ فَلَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ حَيْثُ عَلِمَ مَكَانَهُ وَرَبُّهُ لَا يَعْلَمُ، وَمَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِخَلِيلٍ. وَيَنْبَغِي إذَا عَلِمَاهُ أَنَّ لَهُ جَعْلَ مِثْلِهِ نَظَرًا لِسَبْقِ الْجَاعِلِ بِالْعَدَاءِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>