للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُعْلَمْ بِهِ، وَالْمُدَبَّرُ فِي الْمَرَضِ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ مِنْ مَالٍ عُلِمَ بِهِ فَقَطْ (وَ) أَمَّا (الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ) فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الْمُدَبَّرَ فَيُخْرَجُ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ)

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْكِتَابَةِ فَقَالَ: (وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) مِنْ كِتَابَتِهِ وَلَوْ قَلَّ لَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ» وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُؤَخِّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ قَوْلِهِ: (وَالْكِتَابَةُ) وَهِيَ إعْتَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ (جَائِزَةٌ) لَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ فِي جَوَازِهَا وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالُوا: وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ جَائِزَةٌ (عَلَى مَا رَضِيَهُ الْعَبْدُ وَالسَّيِّدُ مِنْ الْمَالِ) دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَالسُّنَّةُ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَلَهَا أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ،

الْأَوَّلُ: السَّيِّدُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ الصَّبِيُّ

ــ

[حاشية العدوي]

لِأَنَّهُ إنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ، وَصِفَةُ خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ مَعَ مَالِهِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ كَطُولٍ، وَالْعِبْرَةُ بِيَوْمِ النَّظَرِ لَا يَوْمِ مَوْتِ السَّيِّدِ فَيُقَالُ: كَمْ يُسَاوِي عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ الْمَالِ كَذَا فَتَارَةً يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَيُعْتَقُ كُلُّهُ كَمَا إذَا كَانَ مَالُهُ مِائَةً وَقِيمَتُهُ مِائَةً وَتَرَكَ السَّيِّدُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَيُقَرُّ مَالُهُ بِيَدِهِ، وَتَارَةً يَحْمِلُ الثُّلُثُ بَعْضَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ يَصِيرُ حُرًّا وَيَرِقُّ بَاقِيهِ وَيُتْرَكُ مَالُهُ بِيَدِهِ مِلْكًا لَهُ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَالُ مُبَعِّضٍ وَالْمُبَعِّضُ لَا يُنْتَزَعُ مَالُهُ، مِثَالُهُ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَمَالُهُ مِائَةً وَتَرَكَ سَيِّدُهُ مِائَةً فَإِنَّهُ يُعْتَقُ نِصْفُهُ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بِمَالِهِ مِائَتَانِ وَثُلُثُ السَّيِّدِ مِائَةٌ وَهِيَ نِصْفُ الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا قِيمَتُهُ بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِيَوْمِ النَّظَرِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ هَلَكَ بَعْضُ مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ التَّنْفِيذِ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ لِلْبَاقِي مِنْهُ. [قَوْلُهُ: مِنْ رَأْسِ مَالِهِ] فَلَيْسَ كَالْمُدَبَّرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ جَارٍ مَجْرَى الْوَصِيَّةِ فَلَا تُخْرَجُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ لَازِمٌ فَلِذَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.

[الْكِتَابَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

[قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْكِتَابَةِ] عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ الْعَبْدِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَائِهِ فَيَخْرُجُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ يَدْفَعُهُ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ لِيُعْتِقَهُ سَرِيعًا فَيُقَالُ لَهُ قِطَاعَةٌ، وَيَخْرُجُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَيَخْرُجُ الْعِتْقُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُبَتَّلُ وَالْعِتْقُ إلَى أَجَلٍ. [قَوْلُهُ: وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ] تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِحَيْثُ لَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ كَالْهِبَةِ مِمَّا فِيهِ ضَيَاعُ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: لَمَا صَحَّ إلَخْ] فَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ [قَوْلُهُ: وَكَانَ حَقُّهُ إلَخْ] أُجِيبُ بِأَنَّهُ كَالدَّلِيلِ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ» إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ إعْتَاقُ الْعَبْدِ إلَخْ] مِمَّا تَقَدَّمَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَانِعٍ [قَوْلُهُ: وَهِيَ إعْتَاقُ إلَخْ] مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ [قَوْلُهُ: لَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ فِي جَوَازِهَا إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِذْنَ الصَّادِقَ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ] وَمَحَلُّ النَّدْبِ حَيْثُ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَسْبِ، وَأَمَّا مُكَاتَبَةُ الصَّغِيرِ وَمَنْ لَا مَالَ لَهُ فَجَائِزَةٌ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ بِنَاءً عَلَى جَبْرِ الرَّقِيقِ عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] يَقْتَضِي وُجُوبَهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَرَفَ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ الرِّفْقُ بِالسَّادَةِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لَتَسَلَّطَ الْعَبِيدُ عَلَى السَّادَاتِ فَيَضُرُّ بِهِمْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ إلَخْ] أَيْ فَلَمْ يُرِدْ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْإِذْنُ الْمُتَحَقِّقُ فِي النَّدْبِ أَوْ النَّدْبُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمَلِ عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا رَضِيَهُ الْعَبْدُ وَالسَّيِّدُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ بِالْجَبْرِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ كَوْنُ الْكِتَابَةِ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ فَلَا يُجْبَرُ أَوْ مِنْ بَابِ الْعِتْقِ فَيُجْبَرُ. [قَوْلُهُ: إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا] قَالَ تت: اُخْتُلِفَ هَلْ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَالُ أَوْ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ اهـ.

[قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ إلَخْ] مَا زَائِدَةٌ أَيْ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أَيْ فِي أَكْثَرَ مِنْ حَدِيثٍ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ الْمُكَاتَبُ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ] وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ كِتَابَةِ الْكَافِرِ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ كَالْكِتَابَةِ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كِتَابَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَخَرَجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>