للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الشَّهَادَاتِ وَهِيَ مَصْدَرُ شَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي مَوْضِعِ قَوْمٍ يَصْلُحُونَ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَهُوَ عَاصٍ وَيُجْبَرُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ.

وَهِيَ عَلَى مَرَاتِبَ: الْأُولَى: بَيِّنَةُ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، الثَّانِيَةُ: أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْأَمْوَالِ) وَمَا أَدَّى إلَى الْأَمْوَالِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ وَالْآخَرُ عَلَى الْبَتِّ، وَالثَّالِثَةُ: أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ) أَيْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ) وَإِنَّمَا يُقْضَى فِيهَا بِعَدْلَيْنِ. مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَنْكَرَتْ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَلَا يَثْبُتُ نِكَاحٌ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ هُوَ كَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَأَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا لَا تَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَإِذَا لَمْ تَحْلِفْ فَلَهَا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ طُلِّقَ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِّ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رُدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (فِي دَمِ عَمْدٍ) أَيْ جِرَاحِ عَمْدٍ (أَوْ) قَتْلِ (نَفْسٍ) وَاحْتَرَزَ بِالْعَمْدِ مِنْ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمَالِ.

ــ

[حاشية العدوي]

[أَحْكَام الشَّهَادَات]

قَوْلُهُ: مَصْدَرُ شَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ] أَيْ مُفْرَدُ الشَّهَادَاتِ مَصْدَرُ شَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ، فَعَلَيْهِ تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ الشَّهَادَةُ إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِمُعَيَّنٍ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: فِي مَوْضِعِ قَوْمٍ يَصْلُحُونَ لَهَا] تَحَمُّلًا أَوْ أَدَاءً فَيُطَالَبُونَ بِهَا عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ، فَمَنْ قَامَ بِهَا كَفَى عَنْ الْبَاقِينَ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَانِ لَكَانَتْ فِي حَقِّهِمَا فَرْضَ كِفَايَةٍ لِثُبُوتِ الْحَقِّ الْمَالِيِّ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي.

وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الْمَالِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَاهِدَيْنِ فَتَكُونُ فِي حَقِّهِمَا فَرْضَ عَيْنٍ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا عَلَى مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى عَدَدِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَكِفَايَةً عَلَى مَنْ زَادَ عَدَدُهُ عَلَيْهِ حَاضِرًا كَوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْأَمْوَالِ. وَقَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِمَا مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ يَسْجُنُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَضْرِبُهُ.

[قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ إلَخْ] فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتِّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مُدَّعِي الْخِيَارِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَعَبَّرَ بِمِثْلِ لَيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَجِرَاحَاتُ الْخَطَأِ وَأَدَاءُ الْكِتَابَةِ.

[قَوْلُهُ: فِي نِكَاحٍ] أَيْ ادَّعَى نِكَاحَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا احْتِرَازًا عَنْ الدَّعْوَى عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَثْبُتُ نِكَاحٌ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ] فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِذَا وَفِي بَعْضِهَا بِإِنْ.

[قَوْلُهُ: فَلَهَا رَدُّ الْيَمِينِ] مُفَادُهُ أَنَّهَا مُطَالَبَةٌ بِالْيَمِينِ إلَّا أَنَّهَا إذَا لَمْ تَحْلِفْ لَهَا رَدُّ الْيَمِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُطَالَبَةً بِالْيَمِينِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَحَيْثُ لَمْ تُطَالَبْ بِالْحَلِفِ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ فَإِنْ يَحْلِفْ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ، فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ سَنَةً دُيِّنَ أَيْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رُدَّ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَحَيْثُ لَمْ يُطَالَبْ بِالْحَلِفِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ سَنَةً دُيِّنَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ سَنَةً دُيِّنَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكَادُ يَخْفَى فَقِيَامُ شَاهِدٍ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَى الْكَذِبِ.

[قَوْلُهُ: فِي دَمٍ عَمْدٍ] كَأَنْ يَدَّعِي شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ جَرَحَهُ عَمْدًا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ: يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالشَّاهِدِ وَالنُّكُولِ، وَقِيلَ: يُسْجَنُ فَإِنْ طَالَ سَجْنُهُ دُيِّنَ وَأُخْرِجَ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِالشَّاهِدِ] وَمِثْلُهُ الْجُرْحُ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ كَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ.

[قَوْلُهُ: ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>