لِلْحَقِّ (وَ) إنْ كَانَ (فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ) الْمُشَرَّفَةِ (يَحْلِفُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ (فِي الْجَامِعِ) الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ (وَ) يَكُونُ ذَلِكَ (بِمَوْضِعٍ يُعَظِّمُ مِنْهُ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ وَهُوَ الْمِحْرَابُ. ق: فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ هُنَاكَ عُدَّ نُكُولًا مِنْهُ وَيَغْرَمُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ (وَيَحْلِفُ الْكَافِرُ) كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا (بِاَللَّهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ د بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ مَا قَدَّمْنَا وَهُوَ أَنَّ الْيَمِينَ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَامٌّ فِي الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ يَحْلِفُ كَمَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْيَهُودِيِّ " الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى "، وَلَا عَلَى النَّصْرَانِيِّ " الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى "، وَإِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ حَلَفَ (حَيْثُ يُعَظِّمُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ فَالْيَهُودِيُّ يَحْلِفُ فِي كَنِيسَتِهِ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي بِيعَتِهِ وَالْمَجُوسِيُّ فِي بَيْتِ النَّارِ.
(وَإِذَا وَجَدَ الطَّالِبُ) وَهُوَ الْمُدَّعِي (بَيِّنَةً بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ (لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ (قُضِيَ لَهُ بِهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُبْرِئُ الذِّمَّةَ. وَإِنَّمَا شُرِعَتْ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ. ابْنُ الْمَاجِشُونَ: وَإِنَّمَا يُقْضَى لَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَ بِهَا (وَ) أَمَّا (إنْ) كَانَ (عَلِمَ بِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ (فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ) وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَشَرَطَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلْبَيِّنَةِ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا. .
ــ
[حاشية العدوي]
وَالْفَرْقُ خَبَرُ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمَةً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . وَرُبَّمَا أَفْهَمَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ مِنْبَرُهُ لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ عِنْدَ الْمُجَدَّدِ، وَهَلْ يَكُونُ بِمَوْضِعِ الْأَصْلِيِّ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ.
[قَوْلُهُ: رَدْعًا] أَيْ يَكُونُ رَدْعًا.
[قَوْلُهُ: فِي الْجَامِعِ] وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ مَسْجِدٌ وَلَوْ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ تت.
[قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ الْكَافِرُ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ: الْكَافِرُ مُطْلَقًا يَحْلِفُ كَالْمُسْلِمِ، وَقِيلَ: يَقْتَصِرُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ فَقَطْ. وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْكِتَابِيَّ مُطْلَقًا كَالْمُسْلِمِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَالْمَجُوسِيُّ يَقْتَصِرُ عَلَى بِاَللَّهِ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: حَيْثُ يُعَظِّمُ] أَيْ الْمَكَانُ الَّذِي يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَهُ.
[قَوْلُهُ: فَالْيَهُودِيُّ يَحْلِفُ فِي كَنِيسَتِهِ] فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْكَنِيسَةَ لِلنَّصْرَانِيِّ وَالْبِيعَةَ لِلْيَهُودِيِّ وَهُوَ أَقْرَبُ. تَنْبِيهٌ
التَّغْلِيظُ يَكُونُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَا يَحْلِفُ إلَّا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ.
[قَوْلُهُ: أَوْ غَائِبَةً غَيْبَةً قَرِيبَةً] وَأَمَّا الْغَائِبَةُ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَحُكْمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَمْ يُعْلَمْ بِهَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ] أَيْ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِهِ أَيْ إمَّا لِكَوْنِهِ كَانَ نَاسِيًا لَهَا أَيْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَصْلًا أَيْ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا أَوْ أُعْلِمَ بِهَا، أَيْ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ أَوْ أَنَّهَا مَاتَتْ، فَلَوْ حَلَّفَ الْقَاضِي مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ إذْنِ خَصْمِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَا فَائِدَةَ فِيهَا وَلِلْخَصْمِ أَنْ يُعِيدَهَا ثَانِيَةً، وَلَوْ شَرَطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي عَدَمَ قِيَامِهِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي نَسِيَهَا وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَحُكْمُ الْبَيِّنَةِ الْغَائِبَةِ غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْجُمُعَةِ حُكْمُ الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ.
خَاتِمَةٌ
يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَعِنْدَ غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ، فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ قَرَأَ عَلَيْهَا الشَّهَادَةَ وَفِيهَا أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، وَيَعْذِرُ إلَيْهِمْ فِي شَأْنِهِمْ، فَإِنْ ادَّعَى مَطْعَنًا فِيهِمْ أَمَرَهُ بِإِثْبَاتِهِ وَإِلَّا أَلْزَمَهُ الْقَضَاءَ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعَادَةَ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَشْهَدُوا بِحَضْرَتِهِ فَلَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: أَوْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً وَلَمْ يَتْرُكْهَا لِمَا ذُكِرَ أَيْ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ فَلَهُ الْقِيَامُ.