للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فِيمَا يَدَّعِي فِيهِ مَعْرِفَةً) أَيْ عِلْمًا بِصِفَةِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَقَدْرِهِ. ع: ظَاهِرُ قَوْلِهِ مَعْرِفَةً أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ لَا تَنْقَلِبُ إذَا ادَّعَى عَلَى سَارِقٍ وَأَبَى مِنْ الْيَمِينِ فَبِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ يَغْرَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ الْيَمِينِ الَّتِي لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْيَمِينُ) فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا (بِاَللَّهِ) أَيْ يَقُولُ: وَاَللَّهِ (الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ) وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ النَّاسِ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ، وَقِيلَ: لَا يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِيِّ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ بَلْ يَقُولُ: وَاَللَّهِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ الْآتِي وَمَا تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ أَنَّهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَقَطْ لَا يَزِدْ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ يَمِينٌ أَوْ نَمْنَعُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ حَقٌّ. .

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْيَمِينَ تُغَلَّظُ بِالْهَيْئَةِ وَالْمَكَانِ، أَمَّا الْهَيْئَةُ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيَحْلِفُ قَائِمًا) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقِيَامَ شَرْطٌ وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَوْ حَلَفَ جَالِسًا لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) أَمَّا الْمَكَانُ فَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ يَحْلِفُ (عِنْدَ مِنْبَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْدَعُ لِلْحَالِفِ وَأَرْجَى أَنْ يَرْجِعَ

ــ

[حاشية العدوي]

لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ عِلْمًا] بِأَنْ يَقُولَ: أَتَحَقَّقُ أَنَّ لِي عِنْدَك دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا وَهِيَ دَعْوَى التَّحْقِيقِ، إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الشَّارِحِ أَنَّ الْعِلْمَ تَعَلَّقَ بِشَأْنِ الْمُدَّعَى فِيهِ فَقَطْ مَعَ أَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِيَمِينِ التُّهْمَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْعِلْمِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا قَرَّرْنَا. تَنْبِيهٌ

يَحْلِفُ عَلَى مَا يَعْرِفُهُ قَطْعًا إنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عِلْمِهِ إنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ فِيهِ إلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ مُقَابِلُهُ أَنَّهَا تُرَدُّ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ لَا تَنْقَلِبُ] كَأَنْ يَتَّهِمَ شَخْصًا بِسَرِقَةِ مَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ الطَّالِبُ بَلْ يَغْرَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ، وَلَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا] أَيْ الَّتِي تُطْلَبُ فِي الْحُقُوقِ احْتِرَازًا عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي تُكَفَّرُ فَإِنَّهَا أَعَمُّ إذْ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ، زَادَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ الَّتِي لَا يُوَجِّهُهَا إلَّا حَاكِمٌ أَوْ مُحَكَّمٌ وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَيْ لَيْسَ لِخَصْمِهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ.

[قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ إلَخْ] إنَّمَا غَيَّرَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَ الْعَوَامّ، وَحِينَئِذٍ فَالْبَاءُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ أَيْ كَائِنَةٌ بِاَللَّهِ فَلَا يَدُلُّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهَا لِلْقَسَمِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَزِيدُ إلَخْ] وَلِذَلِكَ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِاَللَّهِ فَقَطْ أَوْ قَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ.

[قَوْلُهُ: وَهَذَا عَامٌّ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْكِتَابِيَّ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا يَقُولُ فِي يَمِينِهِ هَذَا اللَّفْظَ أَيْ يَحْلِفُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ فَقَطْ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِيِّ] أَيْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْيَهُودِيَّ كَالْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيِّ يَقُولُ بِاَللَّهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ ضَعِيفَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ إلَّا الثَّنَوِيَّةُ لَا الْوَثَنِيَّةُ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمَقَاصِدِ: أَجْمَعَ أَرْبَابُ النُّقُولِ عَلَى وَحْدَةِ الصَّانِعِ إلَّا الثَّنَوِيَّةَ لَا الْوَثَنِيَّةُ، فَلَيْسَ مَعَنَا مَنْ لَا يَقُولُ بِالتَّوْحِيدِ إلَّا الثَّنَوِيَّةُ فَقَطْ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِمَّنْ يَقُولُونَ بِالتَّوْحِيدِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ تَوْحِيدَهُمْ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْكُفْرُ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَالنَّصَارَى قَالَتْ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ.

[قَوْلُهُ: وَمَا تَقَدَّمَ] مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَا يُرَدُّ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ يَمِينٌ] أَيْ وَكَلَامُنَا فِي الْيَمِينِ.

[قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ فِي كُلِّ مَالٍ وَلَوْ قَلِيلًا، وَأَمَّا تَغْلِيظُهَا أَيْ تَشْدِيدُهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ، أَيْ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضٍ تُقَوَّمُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ.

[قَوْلُهُ: فَلَوْ حَلَفَ جَالِسًا لَمْ يُجْزِهِ] حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ التَّغْلِيظُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَوْ أَوْلَى، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ التَّغْلِيظِ هَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا، وَإِذَا حَلَفَ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيظٍ هَلْ تُعَادُ أَمْ لَا، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ هَلْ يُعَدُّ نَاكِلًا أَوْ لَا، فَعَلَى الْوُجُوبِ يَحْنَثُ وَتُعَادُ وَيُعَدُّ نَاكِلًا وَعَلَى عَدَمِهِ لَا وَهُوَ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ] أَيْ أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِمِنْبَرٍ غَيْرِ مِنْبَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>