للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَضَى عَمَلُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَثَرًا آخَرَ مِنْ آثَارِ الْجِنَايَةِ بِقَوْلِهِ: (وَالدِّيَةُ) وَاحِدَةُ الدِّيَاتِ بِتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ وَهِيَ اصْطِلَاحًا مَالٌ يَجِبُ بِقَتْلِ آدَمِيٍّ حُرٍّ عِوَضًا عَنْ دَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمُوَطَّأِ: «إنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَبَدَأَ بِبَيَانِ دِيَةِ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ تَعْرِضُ فِيهِ الدِّيَةُ وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ بِحَسَبِ الْجَانِي فَ (عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ) وَهُمْ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَالْعَمُودِ (مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) مُخَمَّسَةٌ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ (وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ) كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ (أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ) كَأَهْلِ الْعِرَاقِ (اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ

ــ

[حاشية العدوي]

نِيَابَةً عَنْ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ خَلِيلٍ أَنَّ الضَّرْبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَبْسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي تَأْدِيبِهِ تَكْلِيفُهُ.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ: وَحُبِسَ عَامًا أَيْ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فَيُغَرَّبُ.

[أَحْكَام الدِّيَة]

[الدِّيَة فِي النَّفْس]

[قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ إلَخْ] أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ اثْنَانِ دِيَةٌ وَقِصَاصٌ، وَأَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْقِصَاصِ وَالْآنَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الدِّيَةُ.

[قَوْلُهُ: وَالدِّيَةُ] وَاحِدَةُ الدِّيَاتِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدَى وَهُوَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: أَوْدَى فُلَانٌ إذَا هَلَكَ فَلَمَّا كَانَتْ تَلْزَمُ مِنْ الْهَلَاكِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ] رَاجِعْ الْمُفْرَدَ وَالْجَمْعَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ اصْطِلَاحًا] أَيْ وَأَمَّا لُغَةً فَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْقَتِيلَ يَدِيهِ دِيَةً إذَا أَعْطَى لَهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَفَاؤُهَا مَحْذُوفَةٌ وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَالْأَصْلُ وَدَى مِثْلُ وَعَدَ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ الْمَالُ دِيَةً أَيْ فِي اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ.

[قَوْلُهُ: بِقَتْلِ آدَمِيٍّ] فَمَا وَجَبَ فِي قَطْعِ يَدٍ مَثَلًا لَا يُقَالُ فِيهِ دِيَةٌ أَيْ حَقِيقَةً هَذَا ظَاهِرُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهَا دِيَةٌ حَقِيقَةً إذْ قَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَحَرِّرْ. وَقَوْلُهُ: آدَمِيٌّ خَرَجَ غَيْرُهُ فَمَا وَجَبَ فِي قَتْلِهِ يُقَالُ فِيهِ قِيمَةٌ. وَقَوْلُهُ: حُرٌّ خَرَجَ الرِّقُّ فَمَا وَجَبَ فِي قَتْلِهِ يُقَالُ فِيهِ قِيمَةٌ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: عِوَضًا عَنْ دَمِهِ أَيْ ذَاتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَقَوْلِهِ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْخُولِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِقَوْلِهِ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: فِي الْمُوَطَّأِ] اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الْمُوَطَّأِ بِتَمَامِهِ وَحَذَفَ الْحَرْفَ الْمُؤَكِّدَ وَهُوَ إنَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَلَفْظُهَا إنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِيَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا، وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ.

[قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْخُولِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِقَوْلِهِ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ لَا مُحْتَرَزَ] لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ فَلَهُ مُحْتَرَزٌ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ تُفْرَضُ فِيهِ الدِّيَةُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

[قَوْلُهُ: فَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ] أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ أَصْحَابِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ.

[قَوْلُهُ: الْبَادِيَةِ] خِلَافُ الْحَاضِرَةِ. وَقَوْلُهُ: الْعَمُودِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَادِيَةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَيُقَالُ لِأَصْحَابِ الْأَخْبِيَةِ أَهْلُ عَمُودٍ اهـ. أَيْ لِكَوْنِ الْخِبَاءِ يُقَامُ عَلَى الْعَمُودِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ هُمْ أَهْلُ الْعَمُودِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ إلَّا الْخَيْلُ أَوْ الْبَقَرُ مَثَلًا فَلَا نَصَّ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ مَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرَتِهِمْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ.

[قَوْلُهُ: مِنْ الْإِبِلِ] الْمَحَلُّ لِلضَّمِيرِ فَالْأَنْسَبُ مِنْهَا.

[قَوْلُهُ: مُخَمَّسَةٍ] سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

[قَوْلُهُ: كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامَ] دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ.

[قَوْلُهُ: أَلْفُ دِينَارٍ] وَزْنُ الدِّينَارِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَعِيرَةً مُتَوَسِّطَاتٍ.

[قَوْلُهُ: كَأَهْلِ الْعِرَاقِ] دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ فَارِسُ وَخُرَاسَانُ.

[قَوْلُهُ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ] وَزْنُ الدِّرْهَمِ خَمْسُونَ وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ مُتَوَسِّطَاتِ الشَّعِيرِ وَصَرْفُ دِينَارِ الدِّيَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا كَدِينَارِ السَّرِقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>