[بَابٌ فِي اللِّعَانِ]
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى اللِّعَانِ، وَهُوَ الْإِبْعَادُ فَقَالَ: (وَاللِّعَانُ) أَيْ مَشْرُوعٌ رُخْصَةً، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] . وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيَّ وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ لَاعَنَا زَوْجَتَيْهِمَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَقَوْلِهِ: (بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْءُ، وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: تَسُدُّ مَسَدَّ الْعَيْنَيْنِ] أَيْ فِي الْبَصَرِ، وَالِاكْتِسَابِ، وَالْقُوَّةِ عَلَى الْحِرَفِ، وَالصَّنَائِعِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ:، وَالْآبِقُ] أَيْ الَّذِي لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ عَنْك وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ، إذْ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ لَا يَعْلَمُ سَلَامَتَهُ، فَلَوْ عَلِمَ، وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَهُ بِصِفَةِ مَنْ يُعْتَقُ عَنْ ظِهَارٍ أَجْزَأَ، بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَلَا يُجْزِئُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا وَضَعَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِصِفَةِ مَنْ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْعِتْقِ لَا يُسَمَّى رَقَبَةً فَلَوْ أَعْتَقَ حَمْلَ أَمَتِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ظَنًّا عَدَمَ الْوَضْعِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَضَعَتْهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا بَهْرَامُ [قَوْلُهُ: فِي الْمَهْدِ] الْمَهْدُ مَا يُمَهَّدُ لِلصَّبِيِّ مِنْ مَضْجَعِهِ [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ عِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ] أَيْ عَقَلَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا يُثَابُ وَمَنْ تَرَكَهُمَا يُعَاقَبُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الرَّضِيعِ وَنَحْوِهِ] أَيْ، وَإِنْ أَجْزَأَ فَإِنْ أَعْتَقَهُ كَذَلِكَ فَكَبُرَ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ مُطْبَقًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ. تَتِمَّةٌ:
لَا يَصِحُّ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ مُلَفَّقَةً مِنْ صَوْمِ شَهْرٍ وَإِطْعَامِ ثَلَاثِينَ وَمَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ أَعْتَقَ كَبِيرًا زَمِنًا لَزِمَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا، حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ وَيَمُوتَ الْكَبِيرُ.
ِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِبْعَادُ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ لَعَنَهُ لَعْنًا مِنْ بَابِ نَفَعَ طَرَدَهُ، وَأَبْعَدَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَاعَنَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا وَتَلَاعَنُوا لَعَنَ كُلُّ وَاحِدٍ الْآخَرَ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْمِصْبَاحِ أَنَّ اللِّعَانَ مَصْدَرُ لَاعَنَ لَا مَصْدَرُ لَعَنَ، وَأَنَّهُ لُغَةً: إبْعَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لَا مُطْلَقُ إبْعَادٍ كَمَا هُوَ مُفَادُ الشَّرْحِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت شَارِحَ الْحَدِيثِ قَالَ اللِّعَانُ مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ، وَالْقِيَاسُ الْمُلَاعَنَةُ مِنْ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ، وَالْإِبْعَادُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِاللِّعَانِ دُونَ الْغَضَبِ تَغْلِيبًا لِلْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ تَسَبَّبَ وَقَدْ عَرَفْت مَعْنَاهُ لُغَةً، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ حَلِفُ الزَّوْجِ عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ، إنْ أَوْجَبَ نُكُولَهَا حَدَّهَا بِحُكْمِ قَاضٍ. خَرَجَ بِقَوْلِهِ: اللَّازِمِ الْحَمْلُ غَيْرُ اللَّازِمِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا لِعَانَ فِيهِ، كَمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ خَصِيًّا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَحَلَّفَهَا إلَخْ، مَا إذَا حَلَفَ وَنَكَلَتْ وَلَمْ يُوجِبْ النُّكُولَ، حَدَّهَا كَمَا إذَا غُصِبَتْ فَأَنْكَرَ وَلَدَهَا وَثَبَتَ الْغَصْبُ فَلَا لِعَانَ عَلَيْهَا، وَاللِّعَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ.
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِحُكْمِ قَاضٍ لِعَانُ الزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَلَيْسَ بِلِعَانٍ [قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ] وَاجِبَةٌ لِنَفْيِ الْحَمْلِ جَائِزَةٌ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا، وَالسِّتْرُ أَوْلَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ [قَوْلُهُ: عُوَيْمِرًا] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ تَصْغِيرُ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ، وَقَوْلُهُ الْعَجْلَانِيَّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ نِسْبَةً إلَى جَدِّهِ [قَوْلُهُ: لَاعَنَا زَوْجَتَيْهِمَا إلَخْ] أَيْ فَقَدْ رَمَى الْأَوَّلُ زَوْجَتَهُ بِأَنَّهُ رَآهَا مَعَ رَجُلٍ، وَالثَّانِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ [قَوْلُهُ: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَيْ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ] ، وَلَوْ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ دَخَلَ أَوْ لَا، وَلَوْ فَاسِقَيْنِ، لِقَوْلِ الْمُوَازِيَةِ وَمَنْ نَكَحَ ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ أُخْتَهُ غَيْرَ عَالِمٍ وَقَدْ حَمَلَتْ وَأَنْكَرَ الْوَلَدَ فَإِنَّهُمَا يَتَلَاعَنَانِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ فَإِنْ نَكَلَتْ حُدَّتْ، وَإِنْ نَكَلَ حُدَّ لِلْقَذْفِ وَيَلْزَمُ الْوَلَدُ، وَكَذَا يَقَعُ اللِّعَانُ فِي شُبْهَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ شَبِيهٌ بِوَطْءِ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ الْحَدِّ.
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الزَّوْجَيْنِ أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا وَاحْتَرَزَ بِالزَّوْجَيْنِ مِنْ السَّيِّدِ مَعَ أَمَتِهِ فَابْنُهَا مِنْهُ لَاحِقٌ بِهِ حَيْثُ اعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا، مِنْ غَيْرِ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ وَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ فَلَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَطْءِ أَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ نَفْيُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا] أَيْ فَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ مِنْ كَافِرٍ لِكَافِرَةٍ نَعَمْ إنْ جَاءُوا إلَيْنَا وَرَضُوا بِأَحْكَامِنَا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute