عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ حُرًّا مُؤْمِنًا مَعْصُومًا، وَاحْتَرَزَ بِالْخَطَأِ مِنْ الْعَمْدِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَمْدَ بِخِلَافِهِ وَقَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ تَفْسِيرٌ لِلْكَفَّارَةِ أَيْ هِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (مُؤْمِنَةٍ) سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ وَلَا مُشْتَرَاةٌ بِشَرْطِ الْعِتْقِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) بِمَعْنَى لَمْ يَسْتَطِعْ عِتْقَ رَقَبَةٍ (فَ) إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ (صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ عِتْقًا وَلَا صَوْمًا انْتَظَرَ أَحَدَهُمَا وَلَا يُجْزِئُهُ الْإِطْعَامُ (وَيُؤْمَرُ) الْقَاتِلُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِذَلِكَ) أَيْ بِالتَّكْفِيرِ (إنْ عَفَا عَنْهُ) الْوَلِيُّ (فِي الْعَمْدِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) لِعِظَمِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْإِثْمِ وَكَذَلِكَ تُسْتَحَبُّ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ عَبْدًا، وَلِمَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا.
(وَيُقْتَلُ) وُجُوبًا (الزِّنْدِيقُ) حَدًّا لَا كُفْرًا (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَتُقْبَلُ إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ (وَهُوَ الَّذِي يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ) وَهَذَا هُوَ الْمُنَافِقُ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنَافِقِينَ خَشْيَةَ أَنْ يُقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ فَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْ الْإِسْلَامِ.
(وَكَذَلِكَ) يُقْتَلُ (السَّاحِرُ) الَّذِي يُبَاشِرُ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِ يُبَاشِرُ احْتِرَازًا عَمَّنْ دَفَعَ مَالًا لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ السِّحْرَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إنْ عُثِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقَاتِلِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: تَأْكِيدٌ لَا يَظْهَرُ بَلْ هُوَ مُبَالَغَةٌ
[كَفَّارَة الْقَتْل]
[قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَإِ] قَالَ تت: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا فَلِذَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَوْ شَرِيكًا، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ لَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ كَفَّارَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْتُولِينَ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْحُرِّ] فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ: الْمُسْلِمِ أَيْ فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ.
[قَوْلُهُ: إذَا قَتَلَ حُرًّا] أَيْ فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ عَبْدٍ.
[قَوْلُهُ: مُؤْمِنًا] فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ كَافِرٍ.
[قَوْلُهُ: مَعْصُومًا] فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ حَرْبِيٍّ ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ تت.
[قَوْلُهُ: مُؤْمِنَةٍ] اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُشْتَرَطُ فِي رَقَبَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ يُطْلَبُ هُنَا.
[قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ تَكُونَ كَامِلَةَ الرِّقِّ لِلْمُكَفِّرِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ] أَيْ وَلَا رَبْطُ حُرِّيَّةٍ، أَيْ وَلَا مُرْتَبِطٌ بِرِقٍّ هُوَ حُرِّيَّةٌ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ] أَيْ فَلَوْ أَعْسَرَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ لِبُلُوغِ الصَّبِيِّ وَلِإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ لِأَجْلِ أَنْ يَصُومَهَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيِّ فِي كَبِيرِهِ [قَوْلُهُ: مُتَتَابِعَيْنِ] فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ الصَّوْمَ فَإِنْ أَفْطَرَ عَمْدًا ابْتَدَأَهُ وَنِسْيَانًا أَوْ لِحَيْضٍ أَوْ لِمَرَضٍ فَلَا يَبْتَدِئُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصِلَ صَوْمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَلَوْ أَعْسَرَ كُلٌّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ انْتِظَارَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ حَتَّى يَصُومَا وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مَعَ عَدَمِ إثْمِ الْقَاتِلِ لِخَطَرِ أَمْرِ الدِّمَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ الْقَاتِلُ إلَخْ] أَيْ فَهِيَ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ الَّذِي لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا النَّارُ أَوْ عَفْوُ الْبَارِي.
[قَوْلُهُ: إنْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ] أَوْ لِعَدَمِ التَّكَافُؤِ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ] أَيْ فَإِذَا كَفَّرَ قَاتِلُ الْعَمْدِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ التَّرْكِ كَذَا حَلَّ تت. أَقُولُ: وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا.
[قَوْلُهُ: إذَا قَتَلَ عَبْدًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا، وَسَوَاءٌ وَقَعَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا.
[قَوْلُهُ: أَوْ خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا إلَخْ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ
[مِنْ يَقْتُلُونَ وجوبا]
[قَوْلُهُ: حَدًّا لَا كُفْرًا] أَيْ إنْ تَابَ حِينَ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَفَائِدَةُ قَتْلِهِ حَدًّا أَنَّ مَالَهُ لِوَارِثِهِ وَمِثْلُ تَوْبَتِهِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ لِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّنْدَقَةِ، وَأَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِهَا وَلَمْ يَتُبْ فَلَا يُورَثُ وَلِكَوْنِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَالِ الْمُرْتَدِّ وَلَا يَكُونُ قَتْلُهُ حَدًّا.
[قَوْلُهُ: الَّذِي يُبَاشِرُ] تَفْسِيرٌ لِلسَّاحِرِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ سَاحِرٍ لَيْسَ كَذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ] فَيُقْتَلُ حَدًّا كَالزِّنْدِيقِ حَيْثُ كَانَ يُخْفِي ذَلِكَ وَتَابَ حِينَ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِهِ لَقُتِلَ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثًا.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ] لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ، وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ كَمَنْ يَسْتَأْجِرُ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ آخَرَ فَإِنَّ الَّذِي يُقْتَلُ هُوَ الْقَاتِلُ، وَأَمَّا الَّذِي يُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِهِ فَإِنْ كَانَ سِحْرًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَإِلَّا عُوقِبَ بِغَيْرِ