للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الذَّكَاةِ فَقَالَ: (وَالذَّكَاةُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ) جَمِيعِهِ (وَ) قَطْعُ جَمِيعِ (الْأَوْدَاجِ) أَيْ الْوَدَجَيْنِ عَبَّرَ بِالْجَمْعِ عَنْ الْمُثَنَّى. (وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ بِتَمَامِهِ وَالْأَوْدَاجِ هَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ وَشُهِرَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْمَرِيءِ الْبِسَاطِيِّ، فِي الْعُنُقِ عُرُوقٌ مِنْهَا الْحُلْقُومُ وَهُوَ عِرْقٌ وَاصِلٌ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالرِّئَةِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ يَجْتَلِبُ بِهِ الْهَوَاءَ الرَّطْبَ وَيَدْفَعُ هَبَّ الْهَوَاءِ الْحَارِّ كَالْمِرْوَحَةِ لِلْقَلْبِ، وَمِنْهَا الْوَدَجَانِ وَهُمَا عِرْقَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْبَدَنِ وَيَتَّصِلَانِ بِالدِّمَاغِ، وَمِنْهَا الْمَرِيءُ وَهُوَ عِرْقٌ مُتَّصِلٌ بِالْفَمِ وَالْمَعِدَةِ يَجْرِي فِيهِ الطَّعَامُ مِنْهُ إلَيْهَا انْتَهَى. عِيَاضٌ: الْمَرِيءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهَمْزٌ آخِرُهُ وَقَدْ يُشَدَّدُ آخِرُهُ وَلَا يُهْمَزُ مَبْلَعُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْبُلْعُومُ.

(وَإِنْ رَفَعَ) الذَّابِحُ (يَدَهُ) عَنْ الذَّبِيحَةِ (بَعْدَ قَطْعِ بَعْضِ ذَلِكَ) الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ (ثُمَّ أَعَادَ يَدَهُ فَأَجْهَزَ فَلَا تُؤْكَلُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَالَ الرَّفْعُ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ إذَا طَالَ، وَاخْتُلِفَ إذَا رَجَعَ بِالْقُرْبِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: تَحْرُمُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤْكَلُ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ لِأَنَّ كُلَّ مَا طُلِبَ فِيهِ الْفَوْرُ يُغْتَفَرُ فِيهِ

ــ

[حاشية العدوي]

التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنِ لَا بِقَيْدِ الْمَسَاكِينِ، وَقِسْمٌ يُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلُ وَيَحْرُمُ بَعْدُ وَهُوَ نَذْرُ الْمَسَاكِينِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ وَالْفِدْيَةُ الْمَجْعُولَةُ هَدْيًا وَالْجَزَاءُ وَقَدْ نَظَمَ عج هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ:

وَنَذْرُ مَا عُيِّنَ وَالتَّطَوُّعْ ... الْأَكْلُ مِنْ كِلَيْهِمَا مُمْتَنِعْ

إنْ كَانَ كُلًّا لِلْمَسَاكِينِ جُعِلْ ... وَكَفِدْيَةِ مَا جُعِلَتْ هَدْيًا نُقِلْ

وَامْنَعْهُ مِنْ كِلَيْهِمَا قَبْلُ يَصِلْ ... مَحِلَّهُ أَنَّ مَا لِمِسْكِينٍ جُعِلْ

وَبَعْدَهُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى ... وَالنَّذْرُ لِلْمِسْكِينِ وَالْجَزَا

وَمَا عَدَا هَذِي يَجُوزُ الْأَكْلُ ... مِنْهَا بِلَا قَيْدٍ بِذَا جَاءَ النَّقْلُ

وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ أَيْ فِي الَّذِي جُعِلَتْ هَدْيًا.

[أَحْكَام الذَّكَاةُ]

[قَوْلُهُ: قَطْعُ الْحُلْقُومِ] فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْغَلْصَمَةَ لَا تُؤْكَلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُرَادُ بِهَا الَّتِي حِيزَتْ حَوْزَتُهَا بِبَدَنِهَا لِأَنَّ الْغَلْصَمَةَ آخِرُ الْحُلْقُومِ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ، فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْجَوْزَةِ مَعَ الرَّأْسِ قَدْرُ حَلَقَةِ الْخَاتَمِ أُكِلَتْ، وَأَمَّا لَوْ بَقِيَ لِجِهَةِ الرَّأْسِ قَدْرُ نِصْفِ حَلَقَةٍ فَلَا تُؤْكَلُ عَلَى الرَّاجِحِ. [قَوْلُهُ: هَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ وَشُهِرَ] وَقِيلَ يُكْتَفَى بِقَطْعِ تَمَامِ الْوَدَجَيْنِ وَنِصْفِ الْحُلْقُومِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ عِرْقٌ إلَخْ] وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَصَبَةُ الَّتِي هِيَ مَجْرَى النَّفَسِ زَادَ بَعْضُهُمْ وَالْكَلَامِ وَفَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِالْحَلْقِ. [قَوْلُهُ: وَالرِّئَةُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الرِّئَةُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرِّئَةُ مَوْضِعُ النَّفَسِ وَالرِّيحِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْجَمْعُ رِئَاتٌ. [قَوْلُهُ: وَالْفَمُ] لَعَلَّ الْمُرَادَ وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَنْفَ بَعْدَ الدِّمَاغِ وَالرِّئَةَ بَعْدَ الْفَمِ. [قَوْلُهُ: كَالْمِرْوَحَةِ] أَيْ أَنَّ هَذَا الْعِرْقَ كَالْمِرْوَحَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَلْبِ يَجْلُبُ الْهَوَاءَ الرَّطْبَ لِلْقَلْبِ وَيَدْفَعُ الْحَارَّ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: وَهَمْزُ آخِرِهِ] أَيْ بِوَزْنِ أَمِيرٍ. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يُشَدَّدُ آخِرُهُ أَيْ بِدُونِ هَمْزٍ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْمَرِيءِ أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تُؤْكَلُ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ حَيْثُ كَانَ رَفْعُ يَدِهِ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهَا وَعَادَ عَنْ بُعْدٍ، وَلَوْ كَانَ رَفَعَ يَدَهُ اضْطِرَارًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهَا فَإِنَّهَا نُؤْكَلُ وَلَوْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ ذَكَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَكَذَا تُؤْكَلُ مَعَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهَا حَيْثُ عَادَ عَنْ قُرْبٍ وَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِالْعُرْفِ، وَيَجِبُ مَعَ الْبُعْدِ النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ وَلَوْ كَانَ الْمُتَمِّمُ لِلذَّكَاةِ هُوَ الْأَوَّلُ وَكَذَا مَعَ الْقُرْبِ حَيْثُ كَانَ الْمُتَمِّمُ لِلذَّكَاةِ غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ الْمُذَكِّي حَصَلَ لَهُ إنْفَاذُ مَقْتَلٍ كَاشْتِرَاكِ شَخْصَيْنِ فِي الذَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ فَيَجُوزُ وَضْعُ شَخْصَيْنِ يَدَهُمَا عَلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ بِآلَةٍ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَذَبْحُهُمَا مَعًا.

وَكَذَا فِيمَا يَظْهَرُ إذَا وَضَعَ شَخْصٌ الْآلَةَ عَلَى وَدَجٍ وَالْآخَرُ الْآلَةَ عَلَى الْآخَرِ وَقَطَعَا جَمِيعًا الْوَدَجَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>