للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ وَلِهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَمِينَ) أَيْ وَلَا يُقْضَى بِيَمِينٍ (حَتَّى تَثْبُتَ الْخُلْطَةُ أَوْ الظِّنَّةُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ التُّهْمَةَ. ع: وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَهُ وَالظِّنَّةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي حَقِّ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ، فَالْخُلْطَةُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالظِّنَّةُ لِأَهْلِ الْغُصُوبَاتِ انْتَهَى.

وَفِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْخُلْطَةَ تَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا قَالَهُ بِقَوْلِهِ: (كَذَلِكَ قَضَى حُكَّامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حُجَّةٌ فَيُخَصَّصُ بِهِ الْحَدِيثُ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحْدُثُ) أَيْ تَظْهَرُ (لِلنَّاسِ أَقَضِيَّةٌ) أَيْ أَحْكَامٌ مُسْتَنْبَطَةٌ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ (بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ) أَيْ الْكَذِبِ وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَتَرْكُ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، ثُمَّ اسْتَشْعَرَ سُؤَالًا عَلَى قَوْلِهِ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: فَإِذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ هَلْ يَغْرَمُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ مَثَلًا (لَمْ يُقْضَ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ (لِلطَّالِبِ) وَهُوَ الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَتَّى يَحْلِفَ) الطَّالِبُ

ــ

[حاشية العدوي]

عَلَيْهِ تَكُونُ بِدَيْنٍ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ سَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ بِالنَّقْدِ.

[قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ] الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ أَيْ فَلَا يُفْتَقَرُ لِخُلْطَةٍ، زَادَ خَلِيلٌ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنْهَا الصَّانِعُ وَالْمُتَّهَمُ وَالضَّعِيفُ وَالْمُسَافِرُ عَلَى رُفْقَتِهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي صَارَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ مُطْلَقًا فَإِنَّهُمْ يُوَجِّهُونَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ عِنْدَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَلَا يَسْأَلُونَهُ عَنْ خُلْطَةٍ وَلَا تُهْمَةٍ.

[قَوْلُهُ: حَتَّى تَثْبُتَ الْخُلْطَةُ أَوْ الظِّنَّةُ] أَيْ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضًا مِنْهَا وَهِيَ الصَّانِعُ وَالضَّعِيفُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَأَنَّهَا تَتَوَجَّهُ مُطْلَقًا.

[قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَهُ] أَيْ عَلَى إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ.

[قَوْلُهُ: وَالظِّنَّةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي حَقِّ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ] يُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ. [قَوْلُهُ: لِأَهْلِ الْغُصُوبَاتِ] أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ السُّرَّاقِ.

[قَوْلُهُ: وَفِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْخُلْطَةَ تَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ] هُوَ الرَّاجِحُ وَلَا يَمِينَ مَعَهَا.

[قَوْلُهُ: كَذَلِكَ قَضَى حُكَّامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ] أَيْ كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَوْلُهُ: وَإِجْمَاعُ: يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ قَضَى حُكَّامُ إلَخْ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ حُكَّامِهَا يَقْضُونَ بِذَلِكَ أَنْ يُجْمِعَ أَهْلُهَا عَلَى ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: فَيُخَصَّصُ بِهِ الْحَدِيثُ] أَيْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . أَيْ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْيَمِينَ مُتَوَجِّهَةٌ مُطْلَقًا فَيُخَصَّصُ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ وَحُكَّامُ الْمَدِينَةِ قَضَوْا بِذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْضِيَةِ الْمُحْدَثَةِ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ الْفُجُورِ، فَظَهَرَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَأُكِّدَ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ عُمَرُ] هُوَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ قَوْلًا وَفِعْلًا.

[قَوْلُهُ: أَقْضِيَةٌ] جَمْعُ قَضَاءٍ.

[قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَدِّدَ أَحْكَامًا لَمْ تَكُنْ مَعْهُودَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثَلًا بِقَدْرِ مَا يُحْدِثُهُ النَّاسُ مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْ الشَّرْعِ وَلَكِنْ لَوْ وَقَعَتْ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لَحَكَمُوا فِيهَا بِذَلِكَ، نَحْوُ الْحَلِفِ عَلَى الْمُصْحَفِ أَوْ مَقَامِ وَلِيٍّ أَوْ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ فِيمَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.

[قَوْلُهُ: فِيمَا لَمْ يَسْتَنِدْ] أَيْ وَأَمَّا مَا اسْتَنَدَ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يُتْرَكُ، وَأَرَادَ بِالِاسْتِنَادِ الْقِيَاسَ مَثَلًا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ لِكَوْنِ الْحَالِفِ يَنْزَجِرُ عَنْ الْحَلِفِ بِهِ كَاذِبًا، فَإِذَا فُقِدَ ذَلِكَ فِيهِ وَوُجِدَ فِي غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَيُعْطَى حُكْمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>